التيه الإسرائيلي في غزة

[[{“value”:”

بدأ الجيش الإسرائيلي حربه على غزة في اليوم التالي لعملية «طوفان الأقصى»، أي في الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لكن هذه الحرب تتدحرج سريعاً ويبدو أنها تتطور لتتحول إلى مستنقع قد يغرق فيه الاحتلال لعدة سنوات مقبلة، خاصة أن الإسرائيليين ليس لديهم سيناريو لليوم التالي، ولا يبدو أن لديهم القدرة على فرض مشروع معين على الشعب الفلسطيني.

جريدة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية نشرت تقريراً مفاجئاً قبل أيام يتحدث عن تقديرات مرعبة مفادها، أن الحرب الحالية في قطاع غزة قد تستمر حتى العام 2027، أي أنها قد تظل لثلاث سنوات مقبلة، وهذه ليست تقديرات الصحيفة، وإنما هي تقديرات تنقلها عن دوائر صنع القرار في تل أبيب ويجري تداولها داخل المستوى السياسي والعسكري في دولة الاحتلال.

لا يبدو أن إسرائيل قادرة على تحقيق أية نتائج، ولا يبدو أن لديها مشروعا واضح المعالم لمرحلة ما بعد حُكم حركة حماس في القطاع، ولذلك ذهبت إلى استخدام سياسة «الأرض المحروقة»

تقول الصحيفة العبرية إن الجيش الإسرائيلي قدّر سابقاً أن تفكيك حركة حماس سيستغرق عدة أشهر، وأعد الجمهور الإسرائيلي لعام 2024 كعام القتال، لكن ما تبين لاحقاً وبعد شهور من الحرب المستمرة على القطاع هو أن تقديرات الجيش لم تكن صحيحة، وأن الحرب ستستمر لمدة أطول، لكن الصحيفة تشير إلى أن «المرحلة الثالثة من القتال ستكون أقل شدة وستتضمن تسريح ألوية الاحتياط».

وتابعت الجريدة الإسرائيلية: «في الجيش يقدرون أن الهزيمة الكاملة لحماس ستستغرق ما لا يقل عن 3 إلى 4 سنوات أخرى، وهو ما سيسمح نظريا للمستوى السياسي بمواصلة إعلان حالة الحرب حتى عام 2027». هذه التقديرات ليس لها سوى معنى واحد وهو أن هذه الحرب فشلت فشلاً ذريعاً، وتتحول تدريجياً الى إعادة احتلال شاملة ومباشرة للقطاع، كما أن هذه التقديرات تحيلنا مجدداً إلى أهداف هذه الحرب، التي أعلنها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في أيامها الأولى عندما حدد ثلاثة أهداف، وهي القضاء على حماس، واستعادة الأسرى الإسرائيليين، وتحقيق الأمن لإسرائيل. وواقع الحال أن إسرائيل بعد ستة شهور من هذه الحرب لم تحقق أياً من أهدافها، ولذلك تنتقل إلى الحديث عن «حرب طويلة»، وهذا نوع آخر من الحروب، أي أنها حرب استنزاف وليست حرباً خاطفة.

ومع ذلك كله فالسؤال المهم لا يتعلق بالمدة التي ستستغرقها هذه الحرب، وإنما الأهم هو نتائجها، حيث إنه لا يبدو أن إسرائيل قادرة على تحقيق أية نتائج، كما لا يبدو أن لدى إسرائيل مشروعا واضح المعالم لمرحلة ما بعد حُكم حركة حماس في القطاع، ولذلك ذهبت إلى استخدام سياسة «الأرض المحروقة» وقامت بتدمير كل البنى التحتية والمنشآت العامة في غزة، وأحكمت الحصار على المدنيين بما في ذلك منع دخول المعونات الإنسانية وشاحنات الإغاثة، وتتجه أخيراً إلى تنفيذ احتلال مباشر طويل الأمد للقطاع، على أمل إنهاء حركة حماس وتدمير قدراتها العسكرية والقضاء على ترسانتها الصاروخية التي أصبحت تصل إلى تل أبيب والقدس.

وفي السياق ذاته نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية مقالاً للكاتبة أنشال فورا خلصت فيه إلى أن «استراتيجية نتنياهو غير مجدية لأن الحرب بعد مرور ستة أشهر فشلت في تحقيق أي من الأهداف، فلا هي دمرت حركة حماس، ولا أعادت أياً من الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة».

ما يحدث في قطاع غزة هو أن إسرائيل تقوم بعملية تدمير عمياء وشاملة تطال المنشآت والمؤسسات كافة، وكل البنى التحتية، لكن الواضح أنها عملية ثأرية فقط، إذ لا يوجد لدى الإسرائيليين أجوبة على كثير من الأسئلة، بما فيها سؤال من سيحكم غزة لاحقاً؟ وإلى متى سيستمر الاحتلال المباشر؟ وهل يُمكن أن تتم إعادة المستوطنات؟ وماذا عن التهجير والتركيبة السكانية المقبلة؟ وليس معروفاً أيضاً إن كانت إسرائيل ستقبل بتسليم قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية في رام الله، ذلك أن تل أبيب كانت حريصة طوال السنوات الماضية على إبقاء الانقسام الداخلي وصيانته، على اعتبار أنه أحد عوامل الضعف الفلسطيني، حتى إن كان ثمة تفاهمات مع السلطة في رام الله.

والخلاصة هو أن إسرائيل تائهة اليوم في غزة، وليس لديها أي مشروع سوى الانتقام والثأر والتخريب والتدمير وقتل المدنيين الأبرياء من النساء والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، وتستخدم في سبيل الانتقام وحرب الإبادة الحد الأعلى من القوة، وهذا يعني أن لا أحد يعلم ما هي ملامح اليوم التالي لهذه الحرب ولا متى ستنتهي، بل ربما تستمر ما دام نتنياهو في السلطة.

“}]] 

المحتوى ذو الصلة