طلب الاحتلال إخلاء الشفاء كليًّا .. إفلاس وجريمة أخلاقية ماذا بعدها؟

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

صبيحة اليوم الرابع لاقتحام قوات الاحتلال مجمع الشفاء الطبي، تأمر القوات الغازية المرضى والأطباء والنازحين داخل المستشفى بالخروج فورا، وتمهلهم ساعة واحدة.

ساعة واحدة فقط، هي مهلة الجيش الذي يقول إنه الأكثر أخلاقية في العالم، لنحو سبعة آلاف من الرجال والنساء النازحين، والمئات من المرضى بما فيهم الأطفال الخدج ومرضى الكلى والعناية الفائقة وجرحى العدوان الذين ينتظرون على أبواب غرف العمليات، بلا عمليات.

فصل إرهابي جديد

فصل جديد من فصول الإرهاب، ليس في غرف مغلقة، بل على مرأى ومسمع العالم أجمع، الذي يشاهد عبر الشاشات ويستمع لمسؤولي المستشفى وهم يستنجدون منذ أربعة أيام، الدبابات تحاصرهم، الجنود يطلقون النار في كل أقسام المستشفى، وقد نفد من بين أيديهم الماء والغذاء، ويمنعون من الوصول لصيدلية المستشفى حيث يتواجد الدواء، واليوم يمهلون ساعة واحدة للإخلاء.

بروباغندا صهيونية ممنهجة

هذه المعركة التي يدور رحاها في مستشفى الشفاء بغزة، بعد حملة بروباغندا صهيونية ممنهجة، حاولت فيها إسرائيل إقناع العالم بأن حماس اتخذت من هذا المجمع مقرا للقيادة والتحكم، ومخبأ لإخفاء جنود ومستوطني الاحتلال الأسرى.

مع مرور اليوم الرابع لهذا الاقتحام الهمجي تسقط رواية الاحتلال الكاذبة، وتسقط معها صدقية حلفائها الذين تبنوا رواية الاحتلال بلا أي تمحيص، بل ارتضوا بضوء أخضر الدفع بالدبابات والجرافات نحو أحياء كاملة لإبادتها تمهيدا لوصول الجيش الذي لا يقهر لـ”مخبأ حماس السري”.

على المحك باتت مصداقية المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بعدما وقفت صامتة أمام هذه الجريمة الوحشية بحق منشأة مدنية الأصل أنها محمية بموجب القوانين الدولية كافة، واكتفت ببيانات إدانة خجولة في بعض الأحيان، والتي لم تقوَ على الصمود أمام نار الاحتلال وترسانته المتوغلة.

تفتيش المستشفى يمكن أن يستغرق ساعة أو ساعتين أو يوما كاملا، لكنه لا يحتاج كل هذا الوقت مع جيش مدجج بالسلاح والتكنولوجيا والإمكانات الهائلة، لكن سقوط روايته وفشله في العثور على مقار أو أسرى في أروقة المستشفى، جعلت مزاعمه بأنه جيش أخلاقي، على المحك أيضا.

تذكرنا هذه الرواية المضللة، بالزعم الأمريكي بوجود أسلحة دمار شامل في العراق، دعت مجلس الحرب الامريكي والإدارة السياسية الفاشية الفاشلة برئاسة جورج بوش الابن حينها إلى شن حرب دمرت العراق، من أجل نزع ذلك السلاح، إلى أن ثبت أنه لا سلاح هناك.

التحضير للكذبة الكبرى

صار جليا إفلاس جيش الاحتلال في أروقة الشفاء، وعجزه عن الحصول على ما يدعم مزاعمه التي دفع من أجلها أموالا طائلة ضمن حملة دعائية مضللة جابت العالم، ووجدت من يسوق لها في الإعلام الغربي والأمريكي، إلى أن تبناها البيت الأبيض ذاته، والرئيس الأمريكي جو بايدن الذي يخشى على نفسه وشعبيته وهو على أعتاب الانتخابات.

إسرائيل إذ تأمر اليوم بإفراغ المستشفى، فهي تحضر للخديعة والكذبة الكبرى التي يمكن أن تنطلي على العالم، وتبرر جملة الجرائم التي ارتكبها جيشها على مدار 42 يوما، دمر خلالها نصف القطاع وقتل أكثر من 12 ألفا من السكان، وشرد أكثر من مليونا آخرين.

إسرائيل تسابق الوقت

الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا يرى أن هذا الأمر الصهيوني بإخلاء المستشفى توجه خطير بعد فشله الواضح في العثور على شيء داخل المستشفى، وهو الآن يحاول أن يوسع دائرة التركيز داخل المجمع، في محولات مستميتة للسيطرة على المجمع كشكل من أشكال استعراض القوة والبحث عن صورة نصر.

وأضاف في حديث لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أن الاحتلال يحاول خلق روايات من طرفه تتعلق بوجود عمل مقاوم داخل المجمع، لمحاولة تعزيز الادعاءات التي روجها في الأسابيع الماضية، مشيرًا إلى أن خطورة ذلك تكمن في طبيعة الفئات التي يتم استهدافها، من مرضى وجرحى وأطفال ونساء ونازحين وطواقم طبية، فكل فئة من هؤلاء لها خصوصية، وهنا تكمن الخطورة الفعلية.

وشدد على أن سياسة الاحتلال في استهداف المؤسسات الطبية والتعليمية باتت واضحة وواسعة بشكل كبير، وهو تجاوز خطير لكل الأعراف والمواثيق الدولية، عادا أن إسرائيل تسارع الزمن قبل الذهاب لأي وقف إطلاق نار أو هدنة، وتريد أن تحقق أي شكل من أشكال الإنجاز حتى لو كان على حساب اقتحام المستشفيات ومراكز الرعاية والعيادات الطبية المحمية بالقوانين الدولية.

الشفاء تاريخ يُهدم

مستشفى الشفاء هو أكبر مجمع طبي في القطاع يضم ثلاثة مستشفيات متخصصة، ويخدم سكان غزة والمنطقة الشمالية قبل الحرب وخلالها، ويتعرض اليوم للهدم والإبادة بحجج صهيونية واهية وكاذبة.

وأدى مجمع الشفاء الطبي دورًا أساسيًّا خلال الحرب على غزة، واستقبل آلاف المصابين، وأجريت فيه العمليات الجراحية. وهو الذي يحتضن نحو 25% من مجمل العاملين في مستشفيات القطاع كلها.

وكان المستشفى مركز إيواء لنحو 60 ألفا من النازحين من بيوتهم من غزة وشمالها على إثر القصف ومجازر الإبادة الجماعية، قبل أن يخرج الآلاف منه تحت ضغط القصف العشوائي للمستشفى وحصاره بالدبابات.

كيف ستكون نهاية المشهد؟ وما الذي يمكن أن تفعله المواقف الدولية الخجولة في أفضل أحوالها؟ وما الذي يمكن أن تستخلصه البشرية بمؤسساتها ومنظماتها الحقوقية والإنسانية من عبرة بعد اقتحام هذا المستشفى وتفريغه وتدميره، بعدما لم تحركها مشاهد الإبادة والدمار والتطهير العرقي لشعب بأكمله؟

 

المحتوى ذو الصلة