عبارة “من النهر إلى البحر”.. كيف تهز ثوابت السياسة الأمريكية؟

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

بعد انطلاق معركة طوفان الأقصى وما تبعها من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، شهدت المظاهرات والوقفات الاحتجاجية المؤيدة للحق الفلسطيني رفع لافتات وترديد شعار “من النهر إلى البحر.. فلسطين ستتحرر” (From the river to the sea, Palestine will be free).

ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أصبح العدوان على قطاع غزة قضية سياسية محلية أميركية بسبب الدور الكبير للإدارة الأمريكية الداعمة لإسرائيل، إضافة إلى وجود ما لا يقل عن 6 ملايين أميركي يهودي، وما يقارب العدد ذاته من المسلمين الأميركيين.

وتردد صدى شعار “من النهر إلى البحر” في حرم مئات الجامعات وفي عشرات المدن في جميع أنحاء الولايات المتحدة خلال الأسابيع الأخيرة، حيث يحتج النشطاء المؤيدون للفلسطينيين على الخسائر المدنية الفادحة لعدوان إسرائيل على قطاع غزة، رغم ما أثاره الشعار من اتهامات بمعاداة السامية أو جدل كبير وعلى نحو متزايد بشأن الصراع وأسبابه الجذرية، وبشأن الموقف الذي يجب أن تتخذه الولايات المتحدة.

وضاعف دخول البيت الأبيض والكونغرس على خط الجدل حول العبارة من الانقسام السياسي، وأصبح الشعار أحد أهم محاور الخلاف بين القوى المؤيدة لفلسطين وتلك المؤيدة لإسرائيل حول ما يعنيه للمنطقة الممتدة من نهر الأردن إلى سواحل البحر المتوسط.

يعود أصل هذه العبارة إلى عقود مضت، ولها خلفية معقدة أدت إلى تفسيرات مختلفة جذريا من قبل الإسرائيليين والفلسطينيين، ومن قبل الأميركيين الذين يدعمونهم.

يقول دوف واكسمان أستاذ الدراسات الإسرائيلية في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس إن “السبب في أن هذا المصطلح متنازع عليه بشدة هو أنه يعني أمورا مختلفة لأشخاص مختلفين، حيث نمت التفسيرات المتضاربة نوعا ما مع مرور الوقت”.

وتشير دراسات أكاديمية إلى أن عبارة “من النهر إلى البحر” تعود إلى فجر الحركة الوطنية الفلسطينية في أوائل ستينيات القرن العشرين، أي قبل أكثر من نحو ربع قرن من ظهور حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، واكتسبت العبارة شعبية داخل منظمة التحرير الفلسطينية كدعوة للعودة إلى الحدود الخاضعة للسيطرة البريطانية على فلسطين، حيث عاش اليهود والعرب على حد سواء، قبل إنشاء إسرائيل كدولة يهودية في عام 1948.

في الوقت ذاته، تضمّن البرنامج الأصلي لحزب الليكود، حزب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والصادر عام 1977، جملة تقول إنه “بين البحر والأردن لن تكون هناك سوى السيادة الإسرائيلية”، في إشارة إلى عدم وجود أي حقوق للفلسطينيين في كل أراضي فلسطين التاريخية.

ويقول بيتر بينارت الأستاذ في جامعة مدينة نيويورك إن “معنى العبارة يعتمد على السياق”، وأضاف “إذا كان المعنى من شخص أعرف أن لديه رؤية للمساواة والتحرر المتبادل، فلن أشعر بالتهديد”، لكنها إذا كان من “شخص يريد القضاء على إسرائيل، فالعبارة تشير إلى رؤية للمستقبل من دون دولة يهودية في هذه الحالة”.

في حين اعتبر يوسف منير رئيس برنامج فلسطين-إسرائيل في المركز العربي في واشنطن العاصمة، أن مؤيدي فلسطين الذين يستحضرون العبارة “غالبا ما يشيرون إلى حقيقة أن الفلسطينيين، داخل هذا الفضاء، يعيشون جنبا إلى جنب مع الإسرائيليين، لكن الفلسطينيين هم الذين لا يتمتعون بالحرية”.

يقول بعض اليهود إن ما قد يكون نداءً بسيطا من أجل الاستقلال الفلسطيني، لا يمكن فصله عن الشعار الذي يستخدمه هؤلاء الراغبون في تدمير ومحو إسرائيل.

وتقول مديرة الشؤون السياسية للجنة اليهودية الأميركية جولي رايمان “ربما يكون صحيحا أن معظم طلاب الجامعات الأميركية، على سبيل المثال، الذين يهتفون من النهر إلى البحر لا يقصدون استحضار فكرة التطهير العرقي هذه، ولا يقصدون الدعوة إلى محو إسرائيل أو تدمير جميع اليهود في تلك الأرض”، وأضافت “لكن لسوء الحظ، فإنهم يرددون هذا المجاز بالضبط”.

وجاء في بيان لرابطة مكافحة التشهير (إيه دي إل) “من المهم الإشارة إلى أن المطالبة بالعدالة للفلسطينيين، أو الدعوة إلى دولة فلسطينية، لا ينبغي أن تعني، كما تفترض هذه العبارة البغيضة، إنكار حق دولة إسرائيل في الوجود”.

أما مالك تطبيق “إكس” إيلون ماسك فقال في تغريدة له: كما قلت في وقت سابق من هذا الأسبوع، فإن “إنهاء الاستعمار” و “من النهر إلى البحر” وعبارات مماثلة أخرى تعني بالضرورة الإبادة الجماعية. الدعوات الواضحة للعنف الشديد تتعارض مع شروط الخدمة الخاصة بنا وستؤدي إلى تجميد حسابات أصحابها.

وقال مايك كينان، وهو طالب بإحدى جامعات واشنطن، للجزيرة نت “أرى أن هذه العبارة لا تعكس أي شيء إلا طلب الحرية للفلسطينيين وتأسيس دولة خاصة بهم إلى جوار دولة إسرائيل”.

وبينما يرى اليهود الشعار معاديا للسامية ودعوة لتدمير إسرائيل، يقول العديد من النشطاء الفلسطينيين إنه “صرخة من أجل السلام والمساواة في وجه الاحتلال العسكري الإسرائيلي المستمر منذ عقود لملايين الفلسطينيين”، ويرون أن هذه العبارة “تُعد دعوة طموحة للحرية وحقوق الإنسان والتعايش السلمي”.

كما أخذ النقاش حول ما تعنيه العبارة منحنى جديدا ومثيرا بعدما غردت النائبة ذات الأصول الفلسطينية رشيدة طليب، عضوة مجلس النواب عن دائرة بولاية ميشيغان، على منصة إكس “من النهر إلى البحر هي دعوة طموحة للحرية وحقوق الإنسان والتعايش السلمي، وليس الموت أو الدمار أو الكراهية، يتركز عملي ودعوتي دائما على العدالة والكرامة لجميع الناس بغض النظر عن الدين أو العرق”.

وأصبحت تغريدة النائبة رشيدة طليب هدفا لأنصار إسرائيل بمجلس النواب، واجتمع كل النواب الجمهوريين وكتلة صلبة من الديمقراطيين معا لتوجيه اللوم إلى النائبة، وركزوا على احتضانها ودفاعها عن الشعار الذي وصفوه بأنه غير مقبول.

وبلغ الغضب من هذا الشعار ذروته بتبني مجلس النواب قرارا بتوبيخ النائبة طليب، ومر بأغلبية 234 صوتا مقابل 188، بسبب استخدامها هذه العبارة، وجاء في قرار التوبيخ الرسمي للكونغرس للنائبة أن العبارة “معترف بها على نطاق واسع كدعوة لإبادة جماعية وللعنف لتدمير دولة إسرائيل”.

وقد تدخل البيت الأبيض وتبرأ من تصريحات النائبة الديمقراطية طليب، وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض روبين باترسون، إنه “عندما يتعلق الأمر بالعبارة التي تم استخدامها -من النهر إلى البحر- فهي مثيرة للانقسام، ويجدها الكثيرون مؤذية ومعادية للسامية، ومن الواضح أننا نرفض رفضا قاطعا تطبيق هذا المصطلح على هذا الصراع”.

وردت طليب داخل مجلس النواب بأنها تدعو فقط إلى وقف إطلاق النار، وأضافت “الفلسطينيون يريدون فقط أن يعيشوا حياتهم بحرية وكرامة إنسانية نستحقها جميعا”.

 

المحتوى ذو الصلة