[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
شتاء جديد يقف على أبواب خيام النازحين حيث تطوي حرب الإبادة على غزة عامها الأول دون أي مؤشرات على انتهائها قريباً، وبينما تتعالى التحذيرات من موسم ماطر يغرق خيام أبلتها شمس الصيف اللاهبة جاءت ظاهر المد البحري لترسم صورة قاتمة للوضع الإنساني الذي ينتظر النازحين المحصورين في شريط ضيق يزعم الاحتلال أنه منطقة إنسانية آمنة.
كان فصلًا قاسيًّا ليس فيه أي شيء من متعة الصيف التي اعتداها السكان، فما بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبل، كل شيء تغير، فحرارة الطقس التي كانت فرصة ذهبية للسباحة والاستجمام أرهقت النازحين، وحولت خيامهم إلى أفران ملتهبة تغزوها الحشرات والقوارض، وجعلت من النوم والراحة حلمًا بعيد المنال، فضلًا عن استمرار القصف والمجازر الإسرائيلية.
فقد سعيد لقان من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، منزله في الحرب، وكآلاف من أبناء مدينته يمكث داخل خيمة في منطقة المواصي غرباً، يمضي جل ليله في التفكير فيما ينتظرهم مع حلول فصل الشتاء خلال أشهر معدودات.
يقول سعيد: “نعيش في خيمة بالية مزقتها حرارة الصيف، نعاني فيها ويلات الرطوبة، والحشرات والقوارض والرمال، وفوق كل ذلك، مطلوب منا أن نعيش فيها فصل الشتاء المقبل، لا أدرى كيف؟”.
يضرب سعيد (55 عاما) يدًا على أخرى وهو ينظر مد بصره إلى الخيام التي أغلقت شاطئ خان يونس، متسائلاً عن المكان الذي سيذهبون إليه إذا لم تنقضي الحرب قبل حلول الشتاء، وصعوبة العودة إلى منازلهم مع استمرار القصف المدفعي للمناطق الشرقية في خان يونس.
ويضيف سعيد أن نصب خيمة فوق ركام منزله المدمر “أهون بكثير من قضاء الشتاء على البحر، فيما سيحمله من أوجاع للأطفال وكبار السن أكبر بكثير من مجرد أن تغمر المياه الخيام التي أعيتها أشعة الشمس”.
وفوجئ آلاف النازحين على شاطئ بحر مدينتي دير البلح وخان يونس بارتفاع كبير على أمواج البحر، ووصول المد البحري إلى مسافة كبيرة شرقاً حيث ضرب الخيام وتسبب بغرقها. فعند ساعات فجر وصباح أمس الأحد، وصل ارتفاع أمواج البحر إلى نحو مترين، مصحوباً بمد بحري قوي، أدى إلى اندفاع المياه تجاه الخيام المقامة على شاطئ البحر مباشرة، وتسبب بغرقها.
وانهمك نازحون ومتطوعون في نقل حاجياتهم شرقاً، بينما سارع آخرون بوضع سواتر رملية أمام خيامهم، في محاولة لمنع وصول الأمواج إليها.
وأطلق المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة نداء استغاثة إنسانيًا عاجلًا لإنقاذ مليوني نازح في القطاع قبل حلول فصل الشتاء واهتراء خيام النازحين، محذرا من كارثة إنسانية حقيقية على النازحين.
ووفق معطيات نشرها، فإن 100 ألف خيمة من خيام النازحين من أصل 135 ألفا أصبحت غير صالحة للاستخدام بسبب الاهتراء، مبيناً أن تلك الخيام مصنوعة من الخشب والنايلون والقماش، واهترأت مع حرارة الشمس ومع ظروف المناخ في غزة، وخرجت عن الخدمة بشكل كامل، خاصة بعد مرور 11 شهرًا متواصلة من النزوح والظروف غير الإنسانية المرافقة له.
ويؤكد المكتب الإعلام الحكومي أن الاحتلال الإسرائيلي منع إدخال 250 ألف خيمة إلى قطاع غزة في ظل هذا الواقع المرير.
ويقول النازح إسماعيل حرب من مدينة غزة، إنه ولأول مرة منذ أقام على شاطئ البحر منذ أكثر من 5 أشهر، يحدث مد بحري بهذا القدر، مبينا أن السواتر الترابية التي سبق وأقاموها حطمتها الأمواج، ووصلت مياه البحر إلى الخيمة بسهولة.
وبينما يصف فصل الشتاء بالكابوس الذي ينتظره النازحون المقيمون على الشاطئ، يوضح أنه وعائلته كانوا نائمين عندما دهمت مياه البحر الخيمة، وبللت الفراش والأمتعة، كما تعطل هاتف كان في وضع شحن على بطارية جافة.
أما المهندس ناصر أبو العطا، فيخشى من تحقق التحذيرات التي أطلقتها بلدية دير البلح، حيث دعت لجنة الطوارئ جميع النازحين القاطنين بجوار وادي السلقا إلى إخلاء خيامهم في أسرع وقت ممكن، “بسبب الخطر الذي يمثله السكن في هذه المنطقة، مع اقتراب فصل الشتاء وما يحمله من تهديدات بسبب تدفق المياه”.
ويتساءل أبو العطا عن المكان الذي سيذهب إليه بأطفاله بعدما دمر الاحتلال شقته السكنية في حي القسطل شرقي دير البلح، “فاختيار مكان النزوح ونصب الخيمة ليس رفاهية في مدينة مكتظة، بل معاناة للأهل والأطفال، واستنزاف للمال الذي نحصل عليه بشق الأنفس”.
ويقول إنه ولانعدام الخيارات اتخذ قراراً بالبقاء في مكان حتى اللحظة ولم يستجب لنداء البلدية، آملاً بأن تنقضي الحرب قبل حلول فصل الشتاء.
رئيس لجنة الطوارئ في بلدية دير البلح، إسماعيل صرصور، يقول: “جرت العادة سنوياً أن تقوم البلدية بتحذير الأهالي والسكان والمجاورين أيضاً لوادي السلقا، بسبب الفيضان الذي يحدث فيه وانتشاره على أراضي المواطنين الزراعية، وغرق بعض البيوت.
ويقول صرصور أنهم يدركون أن الخيارات تكاد تكون معدومة أمام النازحين، “ولكن واجبنا يحتم علينا إطلاق التحذير لتنيه السكان والنازحين والعالم إلى ما يمكن أن يحدث، نظرًا لحدوث وفيات في أعوام سابقة بفعل تدفق المياه”.
ويلفت إلى أن طواقم البلدية تابعت على مدار الأيام السابقة منطقة الوادي، دون أن تلاحظ تناقص في أعداد النازحين من المنطقة بالشكل المطلوب.
ومن المتوقع أن يضرب قطاع غزة منخفض جوي ماطر الأسبوع القادم، ما دفع بجهاز الدفاع المدني لإطلاق دعوات للنازحين بتحصين أماكن إيوائهم للوقاية من تأثيراته.
ونقل الدفاع المدني عن الأرصاد الجوية توقعاتها بسقوط أمطار منتصف الأسبوع القادم، مطالباً النازحين في الخيام ومراكز الإيواء والمنازل المتضررة الاهتمام بتحصين أماكن إيوائهم للحد من دهم مياه الأمطار لها.
ويقول الدفاع المدني إن حصار المواطنين النازحين فيما يسميها الاحتلال الإسرائيلي بالمنطقة الإنسانية بمساحة لا تتجاوز 11% من قطاع غزة يفاقم معاناة النازحين ويزيد من انتشار الأمراض والأوبئة لاسيما لدى الأطفال وكبار السن، بفعل طبيعة التربة وتدمير البنية التحتية وقنوات تصريف المياه، الأمر الذي يهدد حياتهم وسلامتهم.
وبدعم أميركي، تشن إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حربا مدمرة على غزة خلّفت أكثر من 136 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.
“}]]