الداخل المحتل/PNN- فيما يقول رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، إن الإجهاز على حركة “حماس” هدف مقدّس، ويجدد الرئيس الأمريكي جو بايدن تأكيده على مواصلة الحرب، يواصل مراقبون إسرائيليون التشكيك باحتمالات نجاحها، ويكشف بعضهم عن أسباب التراجع الإسرائيلي عن صفقة تبادل وهدنة في اللحظة الأخيرة يوم أمس.
يوضح المحلل البارز في صحيفة “يديعوت أحرونوت” ناحوم بارنياع أن الصفقة التي يتصاعد الحديث عنها في الأيام الأخيرة، عالقة لأن نتنياهو تراجع في اللحظة الأخيرة خوفا من تبعاتها.
ويقول بارنياع في تحليل بعنوان “صعود وتراجع صفقة المخطوفين” إنه كان من المفروض أن يصادق مجلس الحرب المصغّر أمس الأربعاء على الصفقة، لكن اجتماعه انتهى دون قرار، واجتماع الحكومة الذي كان مقرّرا بعد ذلك تم إلغاؤه. ويؤكد بارنياع المعروف بمواقفه المناهضة للحكومة الحالية، أن نتنياهو ارتدع وخاف من أثمان “الصفقة” فتراجع في الساعة الأخيرة كما كان يفعل في الماضي، منبها إلى أن نتنياهو بذلك ينتج حالة من عدم الوضوح والشك لدى الطرف الآخر.
وكان بارنياع قد قال في تحليل سابق: “هناك أهمية لتذكير أنفسنا بأن هذا شعار ”معا سننتصر” ليس وصفا حقيقيا للواقع وإنما هو أمنية. عمليا نحن أمام قرارات صعبة وسيناريوهات إنهاء موجعة، فالانتصار ليس مؤكدا. كما أن كلمة “معا” التي تصف بصدق ما يحدث في الجيش، وفي الميدان، لا تعكس ما يحدث داخل الحكومة”.
وهذا ما أكده اليوم زميله رونين بيرغمان، الذي يشير لإلغاء اجتماع الحكومة بعدما كان متوقعا أن يصادق على الصفقة التي كشفت عن ملامحها وكالة رويترز.
بيرغمان وهو خبير إسرائيلي بارز في الشؤون الاستخباراتية، ومعتمد في صحيفة “نيويورك تايمز” يحذّر في مقال بعنوان مشحون بدلالة هامة: “الأمل، التوقعات والواقع في الميدان” أن حسم حركة حماس يقتضي احتلال كل قطاع غزة، مؤكدا أنه من الصعب رؤية لائحة زمنية كافية وتحتملها الإدارة الأمريكية.
خطورة حجم المعلومات
في نطاق تشكيكه بإمكانية تحقيق الهدف المعلن للحرب، يوضح بيرغمان أيضا أنه بالإضافة إلى عدم وجود وقت كاف، هناك صفقة تبادل من شأنها أن تعيق سير الحرب، علاوة على عدم وضوح مسألة كيف يمكن تصفية قيادة حماس، وهم محاطون بدرع بشري على شكل عشرات من المحتجزين الإسرائيليين.
ويتابع بيرغمان دون تردّد: “هذه هي الحقيقة، وخسارة أنه يتم حجبها عن الجمهور الإسرائيلي، فهذا الحجب المعلوماتي يؤدي لتوقعات من الصعب تحقيقها”.
يشار إلى أن نتنياهو ما زال يتمسّك بالهدف المعلن للحرب رغم التحذيرات غير الجديدة من تسلق شجرة عالية، فقال أمس وهو محاط بجنود، إن القضاء على حماس هدف مقدّس، وإن الجيش يدخل إلى كل موقع يريده داخل قطاع غزة.
بالتزامن ورغم الحرب، وربما بسبب ذلك، دعا رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد للمرة الأولى منذ شن الحرب على غزة، لإسقاط نتنياهو واستبداله بنائب آخر من حزب “الليكود” دون الذهاب لانتخابات.
وقال لبيد في حديث للقناة 12 العبرية، إن على نتنياهو الرحيل الآن، داعيا لتشكيل حكومة وحدة وطنية بقيادة “الليكود” من أجل مواجهة الأوضاع السيئة التي وصلت لها إسرائيل. وأضاف: “نحن بحاجة إلى التغيير.. لا يمكن لنتنياهو مواصلة عمله كرئيس وزراء”.
متجانسا مع بيرغمان وآخرين، يلمّح لابيد لعدم ثقته بحسابات نتنياهو ومدى نظافتها من اعتبارات غريبة، ويضيف: “لا يمكننا تحمل أثمان إدارة معركة طويلة مع رئيس حكومة كهذا لا يثق به الإسرائيليون”.
بين روايتين
علاوة على الحرب المستمرة بين روايتين، فلسطينية وإسرائيلية حول الحرب ومستقبلها، هناك تشكيك إسرائيلي بالرواية الرسمية، خاصة التي يرعاها المستوى السياسي بقيادة نتنياهو. وفي هذا المضمار، يرى الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت، أنه بعد مضي أكثر من أسبوعين على المناورة البريّة، نحا محللون عسكريون إسرائيليون نحو إقامة حد فاصل بين لغة الساسة الإسرائيليين التي وُصفت بأنها بلاغية هجومية، ولغة القادة العسكريين، وخصوصا السابقين، الذين قالوا إنها تنطوي على قدرٍ من المهنية. منوها أنه يضيق المجال لتقديم نماذج كثيرة آخذة بالتراكم يوميا، وأن أول ما ينبغي ملاحظته عدم وجود تفاوت كبير بين مختلف المحللين العسكريين والمختصين في الشؤون الأمنية في استخلاص أن مصير الحرب غير مرهون فقط بما يقوم به الجيش الإسرائيلي من عمليات عسكرية، إنما أيضا بما تقوم به المقاومة الفلسطينية الآن، وبما تختزنه من قدرات في المستقبل كذلك.
وضمن استعراضه لذلك، يضيف شلحت: “يقرّ المحلل العسكري لصحيفة هآرتس، عاموس هرئيل، بأن التغطية الجزئية التي تقوم بها إسرائيل الرسمية، وضبابية المعارك التي تفرض عزل القطاع عن وسائل الإعلام من الجانب الفلسطيني، تضعان صعوبات جمّة في طريق الحصول على صورة كاملة للوضع الميداني في شمال القطاع. ومع أنه يشير إلى إيثار التعامل مع بيانات الجيش وقيادته، لكونها مهنية وموضوعية برأيه، إلا أنه، في الوقت عينه، يؤكد أن هدف الحرب الذي يُشهره الجيش، على لسان قائده الجنرال هرتسي هليفي، وهو تفكيك قدرات حماس، مع محاذرة توزيع الوعود بشأن محو قوتها العسكرية، طموح للغاية، فضلا عن أن القدرة على تحقيقه تظل مشروطة بثلاثة أمور: استخدام قوة عسكرية فعالة، تخصيص فترة طويلة كافية، والقدرة على معالجة مناطق جنوب قطاع غزة أيضا، حيث إن إمكان المسّ بحماس ضئيل نسبيا في أعقاب انتقال السكان المدنيين إلى الجنوب”.
ويشير أيضا لما يؤكّده المحلل العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت، يوسي يهوشواع، بأن الطريق إلى “إنجاز القضاء على معاقل حماس في شمال القطاع ما زال طويلا، وليس سهلة بتاتا، فما بالك بجنوبه؟”. وهذا ما يكرّره المحلل العسكري لصحيفة معاريف، طال ليف- رام، مشيرا، كما غيرُه، وخصوصا من أوساط الجنرالات في الاحتياط، إلى أنه حتى في حال النجاح في الوصول إلى ذلك “الإنجاز” فسيكون بمثابة نصف العمل المطلوب أو ربما أقلّه، في ضوء التقدير الموجود لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن نصف قوات “حماس” موجود في الجزء الجنوبي من القطاع وتسيطر عليها. ونبّه هو الآخر إلى أن هذه القوات لم تتعرض للهجوم إلا نادرا، لذلك هي تحافظ على قدرتها وروحها القتالية وينطبق هذا على قيادة الحركة.
وفي هذا الصدد، يُشير طال ليف- رام إلى ثلاثة تحديات ماثلة: “الضغط الدولي،عندما ستعمل إسرائيل في جنوب غزة، سيكون هناك نحو مليوني إنسان، هم مجموع سكان الجنوب الذين ليس لديهم مكان يذهبون إليه، و900 ألف نسمة من سكان شمال القطاع، وعامل الوقت أيضا. فما دام القتال مستمرا، ستتواصل النار في الشمال أيضا، وفي المنطقتين، ولا يمكن البدء بالحديث عن عودة السكان”.
مستشفى الشفاء
ويرى شلحت أن هذا المحلل الإسرائيلي يصل إلى بيت القصيد، حينما يصف المناورة البرية الإسرائيلية بأنها “سيزيفية” وغالبا تعادل “السيزيفية العبثية”، وعادةً توصف بها المهمات الشاقة وغير المجدية.
وينسجم مع هذه الرؤية، الباحث في الشؤون الاستراتيجية عضو الكنيست السابق عوفر شيلح، الذي قال في حديث للقناة 13 العبرية، إن إسرائيل ترتكب أخطاء مفجعة من شأنها منعها من تحقيق انتصار في هذه الحرب.
واعتبر شيلح أن التركيز الإسرائيلي على مستشفى الشفاء كان خطأ كبيرا، معللا ذلك بالقول: “إذا كانت هناك منفعة عسكرية، فليدخل الجيش لمستشفى الشفاء، ولكن التصميم على ذلك فقط لأنه رمز، فهذا مبالغ فيه ومضر بالمسعى الحربي، وبتضييق الخناق على إسرائيل في العالم”.
يشار إلى أن الجيش الإسرائيلي حتى الآن، لم يقدم دليلا على مزاعمه المستمرة منذ عام 2008 بأن أسفل “الشفاء” مقر عسكري مركزي لحماس، وما عرضه أمس بندقية وجهاز كومبيوتر وبعض الذخائر. فيما قالت وسائل إعلام عبرية كالقناة 13 وإذاعة الجيش، إن القوات لم تعثر بعد على مقر القيادة والتحكم والسيطرة في المستشفى.