[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
بملابسها البالية وبدون حذاء، تجلس الطفلة سجى أبو معليق (8 أعوام) في داخل خيمة أهلها في مواصي خانيونس، ممسكة بقلم رصاص، تكتب فيه بعضًا من الحروف، والكلمات، محاولةً الالتحاق بقطار التعليم الذي تحاول إسرائيل اغتياله للعام الثاني مع استمرار حرب الإبادة.
وفي جهة مقابلة، والدها الجريح نائم على ما يشبه الفراش، وفي الخارج أشقائها الأصغر، يلهون تحت أشعة الشمس الحارقة، عائلة مكونة من 6 أفراد محشورة في خيمة بالية لا تتجاوز مساحتها الـ18 مترًا.
الواقع مؤلم جدًا، لا يمكن اختزاله بكلمات، 18 مترًا هي الملجأ فيها وفيها يتناولون الطعام والشرب والنوم والدراسة والاستحمام، ووضع الحاجيات فيها، هي كابوس، كابوس يعيشه قرابة مليوني فلسطيني منذ 11 شهرًا، ولا تزال تداعياته تتوالى وتتفاقم يومًا بعد يوم.
عام دراسي ضائع
والدة سجى تقول لمراسل المركز الفلسطيني للإعلام إن العام الماضي ضاع على ابنتها، وعندما سمعت أن وزارة التربية والتعليم أطلقت التعليم الافتراضي، سارعت لتسجيل ابنتها، رغم عِظم الصعاب.
تضيف أنها اضطرت للذهاب إلى منطقة يتوفر فيها الانترنت، تبعد عن خيمتها قرابة كليو مترين، لتسجيل ابنتها في الصفوف الافتراضية، ومن ثم العودة، لتبدأ الوالدة رحلة البحث عن بعض ما تيسر من أوراق وأقلام لتبدأ معها رحلة التعليم.
تتابع في حديثها: الأمر جدًا صعب، لا يمكن لأحدكم أن يتخيل، أن التعليم سيسير في ظل هذه الظروف، خيمة ونزوح، وقصف، وعدم توفر مقومات أساسية للحياة.
إلا أنها استدركت، “لا سبيل لنا إلا التعليم، حتى لو نحت في الصخر، وصعدت الجبال، سأبذل كل جهدي لوضع ابنتي سجى على سلم الدراسة، رغم ما أعيه من حجم التحديات الكبيرة، من انترنت، ووضع نفسي، والبيئة المناسبة، وغيرها”.
رحلة الماجستير
وفي خيمة على شاطئ بحر مدينة دير البلح، يجلس الشاب علاء الخطيب على حصيرة فوق الرمال، ويضع جهاز الحاسوب الخاص به بين قدميه، وينهمك في كتابة سطور معدودة، في رسالة الماجستير الخاصة به.
الخطيب المُسجل في برنامج الماجستير في جامعة الأزهر تخصص إدارة الأعمال، يقول إن حرب الإبادة طال أمدها، وليس أمامه خيار سوى العودة لإنجاز رسالة الماجستير الخاصة به.
يضيف في حديث لمراسلنا: الأمر صعب، ولا يمكن لعقل أن يستوعبه، لكن بالإرادة والتصميم، يمكن أن يحدث.
“أمضي ساعات طويلة، وأنا أبحث عن مصدر للطاقة، وساعات أخرى، وأنا أبحث عن الانترنت، وبدون الأمرين لا يمكن أن أكتب أو أنجز شيئًا من رسالتي، وبصراحة هذه مسألة مرهقة”، يقول الخطيب.
تعليم افتراضي
وقال الناطق الرسمي باسم وزارة التربية والتعليم العالي صادق الخضور: إن الوزارة شرعت بتنفيذ تدخلات تعليمية لطلبة قطاع غزة تشمل إطلاق مدارس افتراضية عبر روابط خاصة يلتحق بها الطلبة، وتركز على المباحث الأساسية لكل صف.
وأوضح الخضور، أن نظام التعليم الافتراضي يتم بالرزم، بحيث يتم إعطاء مواد تعليمية مكثفة تركز على المهارات الأساسية لكل مبحث، وتؤسس لتعلم سابق، وآخر لاحق، وعندما يتم ترفيع الطالب للصف الذي يليه، فإننا نتيقن أنه امتلك المعارف والمهارات التي تتيح له الصعود إلى الصف التالي.
وأضاف، أن النصف الأول من هذا العام سيخصص للتعامل مع استحقاقات العام الدراسي الماضي جراء العدوان على القطاع، أما النصف الثاني فسيخصص للصف الذي يُفترض أن يكون فيه الطالب، أي أننا نسعى إلى دمج عامين دراسيين في عام واحد، مشيرا إلى أن الوزارة تُصدر يومياً روابط خاصة للتعليم الافتراضي إلى حين تجهيز منصات ثابتة يتم إلحاق الطلبة بها، وهذه الروابط تخدم كل صف على حدة، ويقوم معلمون من الضفة بتدريس المواد الأساسية الساعة الثالثة عصراً، ويمكن للطالب العودة إلى الحصص متى أراد، لوجود خاصية الحصص المسجلة، وذلك لعدم توفر ضمانات دون تقطع الإنترنت.
استهداف التعليم
ووفق معطيات نشرتها وزارة التربية والتعليم العالي، تسببت حرب الإبادة على غزة في استشهاد وجرح أكثر من 25 ألف طفل، منهم ما يزيد على 10 آلاف من طلبة المدارس، وسط تدمير 90% من مباني المدارس الحكومية البالغ عددها 307 مدارس.
وبينت أن أكثر من 630 ألف طالب وطالبة محرومون من حقهم في التعليم منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يضاف إليهم أكثر من 58 ألفاً يُفترض أن يلتحقوا بالصف الأول في العام الدراسي الجديد، فضلا عن 39 ألفاً ممن لم يتقدموا لامتحان الثانوية العامة.
وبحسب معطيات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” فإن 200 مدرسة تمثل 70% من مواقعها التعليمية تعرضت للتدمير الكلي والجزئي بفعل القصف الإسرائيلي المتواصل، مؤكدة أن أكثر من 600 ألف طفل يعانون من صدمة عميقة، ويعيشون تحت الأنقاض، وما زالوا محرومين من التعلم والتعليم، حيث كان نصفهم في مدارس الأونروا.
وتعرضت جميع الجامعات الفلسطينية في قطاع غزة -والبالغ عددها 12 جامعة- لتدمير كامل أو أضرار جسيمة، وذلك بفعل الغارات الجوية أو القصف المدفعي أو حتى بنسفها عبر المتفجرات.
ووفقًا للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ومقره جنيف، فإن هجمات الاحتلال ضد قطاع غزة أدّت إلى تدمير البنية التحتية للتعليم العالي.
ويُقدر المرصد أن الأضرار التي لحقت بالجامعات تبلغ كلفتها أكثر من 200 مليون يورو، وأن ما لا يقل عن ثلاثة رؤساء جامعات وأكثر من 95 عميدًا وأستاذًا جامعيين، قُتلوا منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، فيما اضطر نحو 88 ألف طالب إلى تعليق دراستهم، ولم يتمكن 555 طالبًا آخرون من حاملي المنح الدولية من السفر إلى الخارج بسبب الانتهاكات.
وأوضح المرصد أن الجيش الإسرائيلي “نفذ هجمات متعمدة ومحددة ضد شخصيات أكاديمية وعلمية وفكرية في قطاع غزة، العشرات منهم قتلوا في غارات مباشرة استهدفت منازلهم دون سابق إنذار، ليقتلوا سحقًا تحت الأنقاض مع أفراد عائلاتهم أو عائلات أخرى نزحت إليهم أو نزحوا إليها”.
الحرمان من التعليم
وبالنسبة للطفل محمد أبو سحلول (10 أعوام) والطالب في الصف الرابع، يبدو الحال هنا، سيئ جدًا، سيما وأنه لن يستطيع الالتحاق بالصفوف الافتراضية، فعائلته تعاني فقرًا مدقعًا، وتنزح في خيمة بمواصي خانيونس، بعد أن دمر الاحتلال منزلها في الاجتياح البري.
يقول والده لمراسلنا إنه لا يستطيع توفير جهاز ذكي لالتحاق أطفاله بالمدارس الافتراضية، مؤكدًا أن الأمر أكبر من قدرته المادية، “كنت قبل الحرب أعمل عاملًا، ومنذ بدء الحرب لا يدخل عليّ أي شيكل”.
وبحسرة يطالب أبو سحلول بوضع حلول جذرية لمسألة التعليم، وضمان التحاق كل الأطفال والطلبة بمدارسهم، ووقف الحرب بشكل كامل، ومعالجة تداعياتها.
ويؤكد أن سلاح الفلسطيني هو الإرادة والتعليم، مطالبًا من الكل الفلسطيني محاربة سياسة التجهيل التي تنتهجها إسرائيل، مشددًا أن الوضع النفسي للأطفال مهم أيضًا.
أسى بالغ
وبأسى بالغ، قال إبراهيم محمود (41 عاماً) وهو من سكان مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة لمراسلنا إنه لا يعرف ماذا ينتظر أطفاله الثلاثة؟ مضيفاً: “هذا العام الثاني دون مدارس. ابني الصغير كان لازم يكون في الصف الثاني الآن. درس شهراً واحداً وبدأت الحرب، وحتى إذا خلصت الحرب، ما في وزارة ولا مدارس ولا معلمون ولا طلاب”.
ويحاول أحمد تعليم أبنائه بعض ما يعرفه، ويعتقد أنه ضروري في حياتهم، ومن بين أمور أخرى، يفحص أحمد إذا كان يمكن تخصيص معلمة لأطفاله الثلاثة، وهو أمر لجأت إليه بعض العائلات الميسورة.
وعن فكرة التعليم الافتراضي التي أعلنتها وزارة التربية والتعليم برام الله، يؤكد أنها غير مجدية، يكمل بالعامية: “كيف بدنا ندرس أولادنا على النت، واحنا كل يوم من نزوح لنزوح، يدخل الجيش في بعض المناطق، ونهرب إلى مناطق أخرى، ناهيك عن مشاكل الانترنت، والكهرباء”.
“}]]