ناشطات ضد المقاومة.. حسابات حقيقية أم لجان إلكترونية لدعم الاحتلال؟

[[{“value”:”

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

لم تكن الحرب في قطاع غزة قاصرة على الأنماط المعروفة من جرائم إسرائيلية ظاهرة كالقتل وتدمير المنشآت واستهداف البنى التحتية وتجويع السكان، ولكنها شهدت صورة أخرى من الحرب الخفية تمثّلت في محاولات تأليب الرأي العام داخل وخارج قطاع غزة، للنيل من المقاومة وإظهار الجوانب المأساوية للحرب كنتيجة مباشرة لعملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 والتي نفذتها كتائب القسام، في حق الجيش الإسرائيلي في غلاف غزة، وهو ما قوبل إسرائيليًّا بشن حرب إبادة على سكان القطاع، في واحدة من أبشع الحروب في التاريخ الحديث.

إنهاء الحاضنة الشعبية التي أفرزت المقاومة الفلسطينية كان هدفًا رئيسًا لعدوان الاحتلال في هذه الحرب، فمنذ اليوم الأول لها، عمد الاحتلال إلى التنكيل الشامل بسكان القطاع لدفعهم إلى تحميل المقاومة مسؤولية الجرائم الإسرائيلية التي وقعت بحقهم، واستخدم الاحتلال لتحقيق هذا الهدف عدة وسائل، لكنها لم تلق نجاحًا يذكر، إلا أن من بين تلك الأدوات، استخدام المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي لتصدير صورة سلبية عن المقاومة وما (تزعم) أنها تسببت فيه من مآس لسكان القطاع.

حسابات مريبة

حسابات عديدة مارست نشاطًا مكثًفًا في إظهار تلك الصورة وتصدير حالة الإحباط في المجتمع الغزاوي ونقل صورة عنه للعالم الخارجي تفيد بأن غزة ما هي إلا “ضحية لتهور المقاومة”، وهذا النشاط لوحظت كثافته بصور شتى وكان التفاعل معه سريعًا وكبيرًا، ما أثار الشكوك حول طبيعة تلك الحسابات وأصحابها، وهل هي حسابات حقيقية لناشطيها أم هي حسابات أنشئت خصيصًا لهذه المهمة؟، هذا ما حاولت منصة “إيكاد” الإجابة عنه من خلال تحقيق استقصائي عن هذه الحسابات من حيث الشكل والمضمون.

وأظهرت تحقيقات “إيكاد” وجود حسابات تماهت في النقاش الغزاوي، وادّعت أنها تغرد من داخل غـزة، وروّجت لنفسها بأنها صوت الحقيقة من أرض المعاناة، بينما هي في الحقيقة شبكة حسابات وهمية تدّعي الهوية الغزاوية، وتُحلّل سرديتها وآلية عملها، ودورها في تلميع دول إقليمية بعينها.

5 حسابات مركزية

ورصد فريق التحقيقات في “إيكاد” مجموعة مكونة من 5 حسابات مركزية ظهرت خلال تحليل النقاش الرقمي حول غـزة، منها: @lmaelamor (لما العمور)، و@ranemelali (رنيم العلي)، و@razaneltawil (رزان الطويل)، و@mysalkrd (ميس الكرد)، و@dimahajj0 (ديما الحاج)، تشترك جميعها في أنها تقود حملة رقمية ضد حماس، وهو ما يبدو عاديًّا في ظاهره، إلا أن اللافت فيه هو تشابه تلك الحسابات في أمرين: جميعها تدّعي الهوية الغزاوية، وجميعها أُنشئ في فبراير 2024.

وكان من اللافت أن الحسابات الخمسة روّجت سرديات تتطابق تمامًا مع سرديات الاحتلال، منها: أن “حماس تتخذ من المدنيين دروعًا بشرية”، وهي رواية الاحتلال ذاتها لتبرير قصف المدنيين، ومنها: أن “حماس سببت الدمار لأهل غزة”، ومنها: أن “قيادات المقاومة يختبئون بعيدًا عن معاناة المدنيين”، ومنها كذلك: أن “حماس ديكتاتورية ضد شعبها”، كل ذلك جاء متطابقًا في نفس الحسابات، التي تدعي الهوية الغزاوية، والتي أنشئت في وقت واحد.

تطابق المحتوى والزمان

هذا التطابق لم يكن في الموضوعات فحسب، بل كان زمانيًا أيضًا، حتى في المواضيع الجانبية بعيدًا عن النقاش المحلي؛ فمثلًا في 7 و8 أبريل، نشر حسابا “رزان الطويل” و”لما العمور” تغريدات عن “رغد التكريتي”، وهو التوقيت ذاته الذي هاجمها فيه الصحفي الإسرائيلي “إيدي كوهين”.

استراتيجية تَحوُّل

وكذلك اتبعت هذه الحسابات مع بداية ظهورها استراتيجية تدعم المقاومة (كأنها تلقي طعمًا)، لكنها فجأة انقلبت بشكل جماعي لمهاجمة حماس ونشر روايات تتطابق مع سرديات الاحتلال، وذلك كله في تزامن واحد بين هذه الحسابات، سواء في الحديث عن دعم المقاومة بداية، أو في الحديث عن تجريمها نهاية الأمر.

وأثار هذا التباين بين المواقف التساؤل حول الدوافع من وراء ذلك التحول، لا سيما أن منشورات دعم المقاومة لم تظهر وقت انتصارها يوم السابع من أكتوبر، بل جاءت في أتون المذابح التي يشنها الاحتلال، ما يعني أن التحول اللاحق لم يكن نتيجة للتأثر الطبيعي بهول تلك المذابح، بل كان الدعم بادئ الأمر تمهيدًا لجذب شريحة من المتابعين، يسهل إقناعهم بالتوجه الحقيقي لأصحاب الحسابات، وهو سرد رواية الاحتلال.

على حسابٍ لشخص واحد ظهر منشوران أحدهما في فبراير الماضي والآخر في أبريل، كان نصهما: “هاي وقفة صاحب الأرض”، و”أبو عبيدة طلّ علينا اليوم، الله ينصر المقاومة”، بينما على نفس الحساب في أغسطس كُتب منشور يتناقض مع ما سبقه؛ حيث جاء فيه: “حماس ضحكت علينا كل هالسنوات ورسمت دول الخليج عدونا الأول، والله فش عدو لغزة اكبر من حماس وإسرائيل”!.

ترويج للإمارات

ونبّه تحقيق “إيكاد” إلى أن من السرديات الهامة التي ركزت الحسابات عليها، الترويج لدولة الإمارات باستمرار وشكرها، سواء فيما يتعلق بإبراز أهمية الدعم الإماراتي والمساعدات، خاصةً مبادرة “الفارس الشهم”، أو بخصوص اتهام حماس بتشويه صورة الإمارات.

تزامن النشاط

وأشارت “إيكاد” إلى ما اعتبرته خصائص مثيرة للشك بشأن هذه الحسابات؛ فيما يتعلق بآلية النشر والتفاعل الخاصة بها الحسابات؛ حيث ينشطون جميعًا بكثافة في أوقات متشابهة في الفترة الصباحية (من 4:00 إلى 10:00)، بينما قت الذروة في النشر لديهم يكون في حوالي الساعة 5:00 صباحًا، فيما ينخفض نشاطهم بنظام بعد الساعة 10:00 صباحًا.

صور مزيفة

وتبين من خلال التحليل التقني للحسابات أن الصور الشخصية تعود في الأساس لأشخاص آخرين، ونُشرت خلال السنوات الماضية على المنصات المختلفة، كما أن بعض الحسابات استخدم صورًا قديمة في منشوراته، وادّعوا أنها تعود لأقاربهم، وذلك مثل حساب “ديما الحاج” التي نشرت صورة قالت إنها لأختها في غزة، لكنها في الحقيقة نُشرت على فيسبوك عام 2018.

شبكة المتفاعلين

وأشارت “إيكاد” إلى تحليل أجرته فيما يتعلق بشبكة المتفاعلين مع هذه الحسابات؛ حيث أكدت وجود مجموعة حسابات عالية النشاط والتفاعل تشترك بين الحسابات الخمسة المركزية، وأن عددًا كبيرًا من الحسابات المضخمة أُنشئ في 2024، كما أن نحو 859 حسابًا أُنشئوا منذ أحداث 7 أكتوبر، الأمر الذي يزيد الشكوك باتجاه وجود جهود منسقة من جهة ما لتضخيم محتوى الحسابات المركزية.

هويات متعددة

ومن خلال التحقيق لوحظت تطورات غريبة في عمل الحسابات المضخمة نفسها؛ حيث عملت على تقمص هويات متعددة، وذلك مثل حساب “bsamalaylh” الذي أُنشئ في سبتمبر 2024، وينشط على مدار اليوم.

حيث بدأ صاحب هذا الحساب رحلته مدعيًا أنه قطري وشارك انتقادات تستهدف الخطوط الجوية القطرية، ثم تحول لاحقًا إلى هوية عراقية وشارك في نقاشات مثيرة للفتن بين الكويت والعراق، بجانب انتقاده لقادة حماس.

وعن هوية أصحاب الحسابات المضخمة أظهر التحقيق أن جزءًا منها يسير على نهج الحسابات المركزية نفسها، وذلك مثل حساب “سارة” الذي اُنشئ في أغسطس 2024، وانتحل هوية فتاة من غزة، واستخدم صورة لفتاة أخرى نُشرت على منصات مختلفة، ما يثبت زيف الهوية وتورط الحساب في تضخيم المحتوى المناهض لحماس.

“}]] 

المحتوى ذو الصلة