أبو شجاع.. صفحة مشرقة من تاريخ المقاومة في الضفة

[[{“value”:”

طولكرم – المركز الفلسطيني للإعلام

بقدر الاحتفال الذي أعلنته إسرائيل والانتصار الذي تباهى به جيشها (ذو الإمكانات الضخمة والتقنيات العالية)، بالتمكن من اغتيال القائد الشهيد محمد جابر (أبو شجاع)، ذي الـ 26 عامًا، يمكن تقدير حجم ما سببه لهذا الكيان من هزائم وألحق به من خسائر، رغم إمكاناته المحدودة وعمره القصير.

الشاب الذي يقابل ملاحقة الاحتلال له، بملاحقته هو لجنودهم، لم يكن ينالون منه حتى يَقُضّ مضجعهم بالنيل منهم، من خلال عملياتٍ متنوعة أرغم بها أنوف الاحتلال على مدار عامين، حتى صار المطلوب الأول في الضفة الغربية، ما جعل اغتياله مدعاة للتباهي الإسرائيلي وادّعاء الانتصار الكبير على المقاومة، وكأن (أبا شجاع) جيش جرار بعتاد متقدم، وليس شابًّا لا يمك من حطام الدنيا إلا سلاحه الخفيف على كتفه!.

وقالت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، صباح أمس الخميس، إن القوات اغتالت أبا شجاع قائد كتيبة طولكرم التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، والمسؤول عن سلسلة طويلة من العمليات ضد الجيش، واغتالت معه عددًا من المقاومين الآخرين واحتجزت جثامينهم، كما اعتقلت مقاومًا جريحًا في عملية عسكرية واسعة بمخيم نور شمس بطولكرم.

استشهاد ماجد جابر “ابو شجاع ” قائد كتيبة طولكرم في مواجهات مع قوات الارهاب الاسرائيلي منذ اكثر من 18 ساعة .

خاضت المقاومة الفلسطينية معارك ضارية مع جنود الارهاب ، تم خلالها تدمير عدة آليات عسكرية ، واعلن الجيش الارهابي الإسرائيلي عن اصابة ضابط وثلاثة جنود .

اشارك معكم مشاهد… pic.twitter.com/31zcRGQAiA

— Tamer | تامر (@tamerqdh) April 19, 2024

أبو شجاع الذي ولد وكبر في مخيم نور شمس لعائلة هجّرت من مدينة حيفا عام 1948م، وكان أوسط أشقائه الخمسة، وعاش طفولته داخل المخيم وتعلم في مدارسه، تفتّق وعيه على حب الجهاد ومقاومة العدو، فكان يخوض الاشتباكات مع كل اقتحام لقوات الاحتلال مخيم نور شمس، إلى أن قام الاحتلال باعتقاله وهو ابن 17 عامًا، ليقضي في سجون الاحتلال 5 سنوات متفرقة.

“لا أملك منزلاً.. لا أملك سيارة.. لكنني أملك موقفًا، وعليه أموت”.. كانت هذه الكلمات من تعبير المقاوم (أبي شجاع) الذي لم يكن له من التعليم المدرسي حظٌّ وافرٌ، لكنه استطاع أن يُعبّر بها مُظهِرًا ملامح شخصية المُجاهد، بما لا تستطيع صياغته بلاغة الأدباء وفصاحة الخطباء، ومُرسّخًا ما يجب أن يكون عليه المقاوم من الثبات على الموقف دون النظر لإمكاناته وما يملك.

“قدّمت رُوحي في سبيل الله لرفع راية لا إله إلّا الله، إحنا بنقاتل أعداء الله، ومن حقنا نرجّع أراضينا، وتحرير أقصَانا فقَط بالكفاح المُسلّح، فما أُخذّ بالقوّة لا يُسترّد إلا بالقوّة”.

الشهيد القائد محمد جابر “أبو شجاع”. pic.twitter.com/E892ptjPDJ

— رضوان الأخرس (@rdooan) August 29, 2024

وتبدأ الملحمة الكبرى لأبي شجاع منذ أكثر من عامين؛ حيث أسهم المجاهد سيف أبو لبدة القيادي في سرايا القدس، في إنشاء كتيبة بطولكرم، لمقاومة الاحتلال، وما إن أخذ عمل الكتيبة في فاعليته من خلال عمليات ضد الاحتلال، حتى قرر جهاز الشاباك الإسرائيلي اعتقاله، لكن حملة الاعتقال فشلت بسبب اكتشاف أبو لبدة لقوة الاحتلال، فاشتبك معها مُوقعًا 4 إصابات بين جنود الاحتلال، وانتهى الاشتباك باستشهاده صحبة مجاهدين آخرين في مخيم نور شمس بطولكرم مطلع شهر أبريل/ نيسان عام 2022.

وفور استشهاد أبو لبدة، التقط المجاهد العشريني أبو شجاع الراية، فتزعم الكتيبة وقام بتطويرها وضم تحتها كتائب تابعة لعدة فصائل، حتى استطاع أن يؤلم العدو بعمليات عند الحواجز نقاط التماس، وذاع صيته في أجهزة أمن الاحتلال ليبدأ رحلة المطاردة ويصبح واحدًا من أهم مجاهدي الضفة الغربية، وأخذ الاحتلال في البحث عنه فاعتقل شقيقيه، ولا يزال أحدهما في الأسر، وداهم الاحتلال منزل العائلة عدة مرات، إلى أن بلغ الأمر بتفجير المنزل بالكامل قبل نحو 5 أشهر.

هُنا كانت أصل الحكاية..

الصورة التقطت بشهر 3-2023
عند تأسيس الكتيبة بقيادة أبو شجاع.

من اليمين لليسار..
عصوم العلي، محمد قصاص، أبو شجاع، سعيد الجابر. pic.twitter.com/LpG0epItF4

— Mooad Shaqour | مُعاذ شَقّور (@mooad_shaqour) August 29, 2024

ومع اندلاع طوفان الأقصى بدأت المقاومة في الضفة الغربية تعد عدتها تدريجيًّا، وكان في القلب منها مدن شمال الضفة بما فيها مخيم نور شمس الذي أذهب النوم من أعين قادة الاحتلال طيلة الشهور الماضية؛ حيث يقود كتائب سرايا القدس هناك أبو شجاع بعملياته القاسية على الاحتلال وجنوده.

وفي شهر أبريل/نيسان الماضي أعلن الاحتلال تمكنه من اغتيال أبي شجاع رفقة مجموعة من المجاهدين في مخيم نور شمس، لكن مضت بضع ساعات ليظهر أبو شجاع محمالضولاً على أكتاف أهل المخيم الذين احتفلوا بنجاته، وأخذ يردد رسائل التحدي لكيان الاحتلال قائلا: “رسالتنا للاحتلال أننا نتحداه، ونحن على درب الشهداء، والحالة الوطنية لن تنتهي حتى النصر”، مؤكدًا أن الاحتلال “لم ولن ينجح باغتيالي معنويًّا أو نفسيًّا رغم كل محاولاته”.

بطلٌ هُمام ..
كفيت ووفيت يا بطل ، تشهد لك أزقة طولكرم ، قاتلت الأعداء والعملاء ، نجوت منهم وكنت في حفظ الرحمن ، إشتبكت بيد واحدة رغم الإصابة أثناء الإعداد والتجهيز ، إلى أن إصطفاك الله اليوم شهيداً مقبلاً غير مدبر.#ابو_شجاع #جنين #فلسطين #غزة_الآن #مخيم_نور_شمس #جنين pic.twitter.com/GPMVTTj4Q0

— مُعتَز 𓂆 (@mutaz_kawamleh) August 29, 2024

ولم تكن معاناة أبي شجاع خلال رحلته في مواجهة الاحتلال فحسب، ولكنه عانى من مطاردة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية؛ حيث تعقّبته الأجهزة الشهر الماضي إلى أن حاصرته في مستشفى حكومي بمدينة طولكرم، واستمر الحصار لساعات حتى طوق الأهالي المستشفى لمنع الأجهزة الأمنية من اعتقاله، وهو ما كان في نهاية الأمر، فنجى أبو شجاع وخرج معلنًا انتصارًا جديدًا من انتصاراته على الاحتلال، لكن هذه المرة كان الانتصار على وكلائه من أجهزة التنسيق الأمني.

كان مشهد إنقاذ أبي شجاع معبرًا لا عن حبهم له فحسب، ولكن عن تأييد شعبي كبير لمشروع المقاومة وتصفية القضية الفلسطينية عن طريق سلطة أوسلو، لكن عنوان هذا التأييد تمثّل في شخص أبي شجاع، الذي قُدّر له إكمال مسيرته في مقاومة المحتل حتى ينال ما تمناه من شهادة.

“أبو شجاع”.. عجز عنه الاحتلال فطاردته أجهزة أمن السلطة الفلسطينية وتصدى لهم أهالي مدينة طولكرم، في مشهد يعكس حجم الـتأييد للمقاومة مقابل الاتهامات باستمرار التنسيق الأمني مع الاحتلال | تقرير: فاطمة التريكي #الأخبار#حرب_غزة pic.twitter.com/2pSdZc22CW

— قناة الجزيرة (@AJArabic) July 27, 2024

ثمن باهظ دفعه الشهيد الراحل أبو شجاع خلال سنيّ عمره القصيرة، فهو من عائلة مُهجّرة ونشأ وسط حالة من التنكيل الإسرائيلي بأهل المخيمات، وقضى 5 أعوام من زهرة شبابه في سجون الاحتلال، ثم استشهد أخوه محمود منذ أشهر، إضافة إلى اعتقال شقيقيه، لكنه كان يعرف أن هذا الثمن مطلوب لتحرير الأرض ودحر العدو.

يقول أبو شجاع في إحدى كلماته: “قدّمت رُوحي في سبيل الله لرفع راية لا إله إلّا الله.. احنا بنقاتل أعداء الله، ومن حقنا نرجّع أراضينا، وتحرير أقصَانا فقَط بالكفاح المُسلّح، فما أُخذّ بالقوّة لا يُسترّد إلا بالقوّة”، وكان يعرف أن المقاتل يجب أن يسبق فعله قوله، وأن الميدان لا بد له من عمل، وأن كثرة الكلام ليست من شيم المجاهدين.

ابو شجاع شهيد رحمك الله يا قائد صدقت فصدقك الله انا لله وانا اليه راجعون 🇵🇸 pic.twitter.com/5ZA1tBNAdv

— غزة الآن – Gaza Now (@nowgnna) August 29, 2024

الجانب الإنساني عند أبي شجاع عبّر عنه في منشورٍ يكشف فيه عن شعوره بضعف ما قدّمه من تضحيات مقابل ما قدمه الآخرون؛ إذ ينظر إلى طفل فقد أباه أو إلى أب فقد ولده على أنهم أعظم شأنًا منه، ويستشعر التقصير إزاء ذلك رغم أنه لم يدخر جهدًا فيما يحسنه من مقاومة المحتل وبذل ما يستطيع في سبيل ذلك.

يحقُ لمن عاشَ بطلاً أن يرحلَ على دربِ الإباءِ شهيدٌ بإذنِ الله ، أبو شُجاع إلى رضوان اللّه مقبلًا غيرَ مدبر مُعداً مرابطاً مُتوعداً. pic.twitter.com/M6DI1WjGxV

— أَرو 𓂆 يّة (@am12304050) August 29, 2024

وبعد المحاولات الإسرائيلية العديدة الفاشلة في اغتياله، أعلن جيش الاحتلال أمس الخميس، أنها حاصرت وحدة من قوة اليمام “أبا شجاع” وعددًا من المقاومين في مبنى ملاصق لمسجد في مخيم طولكرم، وبعد اشتباك مسلح تمكنت من قتله رفقة 4 آخرين.

وعقب صلاة الجمعة اليوم في مخيم نور شمس، شيّع الأهالي جنازة رمزية للشهيد أبي شجاع -نظرًا لاحتجاز الاحتلال جثمانه- في تعبير يحمل رسالة قوية أن أبا شجاع لم ينتهِ باغتياله، ولكن رسالته ممتدة ورحلة جهاده مستمرة ما بقي الاحتلال جاثمًا على أرض فلسطين حتى يندحر

⭕️ تشييع رمزي لقائد كتيبة طولكرم الشــهيد محمد جابر “أبو شجاع” الذي اغتاله الاحتلال برفقة عدد من المقاومين وصادر جثامينهم. pic.twitter.com/fygY9ZkirW

— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) August 30, 2024

“}]] 

المحتوى ذو الصلة