“أبو عبيدة”.. وكيفية هزيمة “الاحتلال” في الحرب النفسية

كشفت الحرب الهمجيّة، التي أعلنها، وشنّها الكيان الصهيوني على قطاع غزة- عقب صدمة “طوفان الأقصى” 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي- عن تطوّر مُذهل في القدرات والمهارات الإعلامية للمقاومة الفلسطينية.

أظهر ذلك جدارةً، وفهمًا عميقًا، واستيعابًا لعلوم النفس، والاجتماع، والاتصال- رغم تواضع الإمكانات والوسائل-، بما أتاح للمقاومة الاستغلال الجيد للإنترنت، ووسائطه التكنولوجية، ووسائل الإعلام البديل، والتقليدي في شن “حرب نفسية” موجعة ومُربكة لـ “الكيان”؛ استثمارًا وتسويقًا لانتصارات المقاومة في المعركة البرية مع جيش الاحتلال على تخوم القطاع، ومن قبلها الهزيمة الساحقة في “الطوفان”.

التوثيق للأعمال القتالية
فقد شهدت الأسابيع الأربعة التي استغرقتها “العملية البرية”- لجيش الاحتلال ضد قطاع غزة الصامد (27 أكتوبر/ تشرين الأول- 24 نوفمبر/ تشرين الثاني) – تكثيفًا وتنويعًا فريدًا لضربات “إعلامية”، سدّدتها المقاومة لـ “جيش الاحتلال”؛ بما حطم معنويات جنوده، وأوقع انقسامات حادة بين حكومة، وقادة “الكيان”، ومواطنيه على السواء.

هذه الضربات الإعلامية ترافقت مع الخسائر الفادحة لجيش الاحتلال بأيادي المقاومة في العتاد: تدمير وإعطاب 335 آلية مدرعة بواسطة كتائب القسام، حسب الناطق باسمها “أبو عبيدة”، مُضافًا إليها، ما دمرته سرايا القدس، وغيرهما من الفصائل، بما مفاده سقوط المئات من الجنود، قتلى، وأضعافهم جرحى.

بدا مع تنفيذ “طوفان الأقصى”، أن “المقاومة” لديها خطة إعلامية فعالة جدًا- رغم بساطتها- تنبني على فكرة التوثيق بالفيديو للضربات والأعمال القتالية التي تقوم بها المقاومة ضد جيش الكيان الصهيوني؛ إدراكًا منها لشغف روّاد مواقع التواصل الاجتماعي (الإعلام البديل)، بمقاطع الفيديو والإقبال الشديد عليها، ما دام المحتوى متميزًا، صادقًا، يقُدم جديدًا، بعيدًا عن الفبركة.

هكذا، وثقت الكتائب وقائع اقتحامها معسكرات جيش الاحتلال بغِلاف غزة، وسجلت مقاطع بالصوت والصورة، لأعمال السيطرة على هذه المعسكرات، وقتل وأسْر مئات الجنود والضباط بها، واقتيادهم إلى القطاع.

الإعلام العسكري وإذاعة المقاطع
تعاطى “الإعلام العسكري لكتائب القسام”، بقيادة “أبو عبيدة”، بمهنية وحِرفية عالية، فلم يبث كل المقاطع مرة واحدة، فتحتويها محركات البحث، وتبتلعها، دون إظهارها للجمهور المُستهدف، فلا تكون مُجدية، لا سيما، في ظل الدعاية المضادة للكيان الصهيوني، وتراكم الأحداث، وردود الأفعال العالمية وقتها.

لجأت “القسام” إلى إذاعة المقاطع ونشرها على فترات متقطعة موزعة على عدة أيام، مما زاد من مفاعيلها وانتشارها عالميًا، كما النار في الهشيم؛ فضحًا في الداخل الإسرائيلي، لأسطورة “الجيش الذي لا يُقهر، والعَصي على الكسر، أو الاختراق”، وأمام الكون كله؛ وحشدًا للرأي العام العربي، المُكبَل من أنظمة الحكم الانهزامية.

إنهاك معنويات الجنود
على هذا المنوال، سارت المقاومة: (كتائب القسام، وسرايا القدس)، بتوثيق اشتباكاتها وقتالها جنود “الاحتلال”، وتدمير آلياته المتوغلة لكيلومترات داخل القطاع، بـ “أدوات وأسلحة” تقليدية.. لكنها فتّاكة بإرادة المقاتلين وعقيدتهم وعزمهم الذي لا يلين على النصر أو الشهادة.

هذه “المواد الإعلامية” أنهكت معنويات عناصر جيش الاحتلال – المُحطمة أصلًا منذ عملية الطوفان – ما أسفر عن فرار “سرية” كاملة من ميدان القتال، وقيام الجيش بطرد قائدها، ونائبه من الخدمة، خشية انتقال عدوى الفرار بين الجنود، وامتناع آلاف الجنود عن الانضمام لوحداتهم العسكرية، (حسب صحف عبرية).

حرب نفسية قاسية
يتساند هذا كله مع “الخطابات النارية”، لـ “أبو عبيدة” الذي يحظى بمصداقية واسعة، عربيًا وعالميًا وداخل الدولة العبرية – بياناته يتم ترجمتها باللغة العبرية وغيرها بواسطة ناشطين- كونه ينشر بيانات موثقة من ميادين القتال. هذه الخطابات بحد ذاتها، كأنها “قنابل نفسية” حارقة لمعنويات الكيان الصهيوني كله، ضاربة لكافة مكوناته.

كلمات “أبو عبيدة”، ألهبت مشاعر الأحرار، ودفعت الجميع لانتظار إطلالاته، للوقوف على الخبر اليقين عما يدور من معارك وقتال مع جيش الاحتلال، رغم هذا، فلم يُسرف في الظهور، فلا يُطل، إلا ليعلن جديدًا.

“أبو عبيدة”، مارس- مع الإعلام العسكري للمقاومة- “حربًا نفسية قاسية”، بحسب توصيف رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو.

من هذه الحرب إعلان “أبو عبيدة” غير مرة، أن “المقاومة” راغبة في إطلاق سراح الأسرى المدنيين الإسرائيليين حال توفر الظروف الأمنية الملائمة، إلا أن غطرسة “نتنياهو ورفاقه الصهاينة” المتطرفين، تعرقل ذلك، وتدفعهم للعدوان على غزة بوحشية؛ أملًا في تركيع المقاومة، وهو ما ساهم في إثارة الرأي العام الإسرائيلي ضد نتنياهو.

إزاحة الافتراءات
هذا كله، مع مقاطع الفيديو للأسيرات الإسرائيليات التي نشرتها كتائب القسام، وهاجمن فيها نتنياهو، لتقاعسه عن تحريرهن، ما أشعل الداخل الإسرائيلي، وأثار حراكًا وانقسامًا حادًا، ودفع أهالي الأسرى للاحتجاج ضد “نتنياهو”، بما اضطره في نهاية المطاف- مُرغَمًا- للدخول في صفقة لتبادل الأسرى، وقبول شروط “حماس” التي صدع الرؤوس، بتصريحاته العنترية عن محوها من الوجود.

“دولة الاحتلال”، نجحت في الترويج لأكاذيب، وافتراءات تَصم “حركة حماس” ومقاتليها بالإرهاب والداعشية، على خلفية “طوفان الأقصى”، بمشاركة الرئيس الأميركي جو بايدن شخصيًا، الذي ردد المزاعم الإسرائيلية بلا دليل، ولا حياء، ومعه قادة وساسة أوروبيون، ووراءهم جميعًا وسائل إعلام غربية، متحيزة وعنصرية، مفتقدة للشرف المهني.

لكن، هذه الافتراءات، والأكاذيب، تلاشت، أزاحتها صور الأسرى الإسرائيليين، وهم يودّعون مقاتلي القسام بودّ، وحنو، وصدق، عند مغادرتهم غزة- على مرأى من العالم كله-؛ إنفاذًا لصفقة تبادل الأسرى، وكذا شهادات أسيرات لوسائل إعلام عبرية، عن حُسن أخلاق “القسام”، ورعايتهم لهنَّ. لذا، قرر الاحتلال منع الأسرى الإسرائيليين، وعائلاتهم من التعاطي مع وسائل الإعلام.

لقد أنجزت “المقاومة” نصرًا كبيرًا، مستحقًا، في حربها النفسية الشرسة، المؤلمة للاحتلال الصهيوني. هزمته رغم تفوقه في تزييف الوعي والتضليل، وفي هذا النوع من الحروب، لكنّه الإيمان بعدالة القضية، والتسلح بالمعرفة، والعزيمة القوية.

المجد للمقاومة.

 

المحتوى ذو الصلة