الدعم الغربي لإسرائيل.. تراجع أم إعادة تأهيل؟

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

بعد أزيد من خمسين يومًا على معركة طوفان الأقصى، والوصول لاتفاق هدنة إنسانية مؤقتة، انكشفت فيها الحقائق الميدانية، وأظهرت حجم الإبادة الجماعية الصهيونية بحق غزة، التي طالت كل جوانب الحياة في القطاع، لكن دون أن يحقق فيها الاحتلال أهدافه العسكرية المعلنة.

كما أظهرت الوقائع أزمة الرهانات الأمريكية والغربية الخاسرة على المشروع الاستعماري الصهيوني على أرض فلسطين، والحصاد المر لمواقفهم الداعمة بلا حدود لإسرائيل، ووضعها فوق كل المعايير والقوانين الدولية، وإسنادها عسكريا وسياسيا واقتصاديا في حربها على غزة.

وانتقل المشهد من نقاش ما بعد حماس، إلى نقاش أزمة نتنياهو وما بعده، والكلفة التي يمكن أن تدفعها إدارة بايدن في دعمها اللامحدود لهذا القتل الهمجي في غزة من كيان أصبح يتخبط لرفع فاتورة الدم والعودة بأي صورة لانتصارٍ موهوم.

ونقلت واشنطن بوست عن مسؤول رفيع في الإدارة الأمريكية قوله: نتحمل كثيرا من الأعباء بسبب إسرائيل، مؤكدًا أنّ “الحرب في غزة أضرت بمكانة الولايات المتحدة عالميا”. ومن أمام معبر رفح وفي أول أيام الهدنة طالب رئيسي وزراء إسبانيا وبلجيكا بوقف الحرب ووقف قتل المدنيين، في انتقادات أزعجت حكومة الاحتلال فاستدعت سفراء البلدين وترفع لهم شماعة دعم الإرهاب.

أستاذ القانون الدولي الدكتور محمد الموسى لا يرى هذه المواقف تراجعا عن دعم الكيان الصهيوني بل تهيئة بيئة مناسبة لما بعد المعركة. مؤكدا أن المقاومة الفلسطينية أثبتت نفسها وخلقت واقعا استراتيجيا جديدا.

ولفت الموسى في تصريحات لـ “المركز الفلسطيني للإعلام” إلى أنّ هذه المواقف تأتي كمحاولة لخلق بيئة وفضاءات يستطيع الغرب من خلالها التحرك في مرحلة ما بعد المعركة من أجل التفاوض والتهدئة ومن أجل احتواء تداعيات المعركة.

وقال: النظام السيكولوجي المعرفي الحاكم لدولة الاحتلال والغرب في الحقيقة هو نظام مبني على فكرة العلمنة المادية، بمعنى أنّ الكيان الصهيوني عبارة عن منظومة وذراع متقدمة للمشروع الاستعماري الغربي في المنطقة، ومن الصعب التخلي عنه، لكنهم الآن يحاولوا تهيئة الظروف لإعادة تأهيله في المنطقة، أما قضية التراجع عن دعمه ووجوده فهي مسألة مصيرية.

ولفت الموسى إلى أنّ التعويل على الرأي العام الغربي هو عامل مساعد ولا يجب أن يكون عاملاً أساسيًا في بناء تصورات العلاقة مع الغرب، في مقابل “هزيمة الخيارات العسكرية”.

وأشار أهمية ما فرضته المقاومة في الميدان معبرا عن اعتقاده بأنّ الكيان الصهيوني لو حقق مكتسبات ميدانية على الأرض لكان من الممكن تجاوز الرأي العام في أمريكا والغرب، على أهميته.

بدوره، يرى المحلل السياسي عاطف الجولاني بضرورة التفريق بين الموقف الأمريكي وبقية المواقف الأوروبية، فالجانب الأمريكي منذ اللحظة الأولى كان شريكا في العدوان على غزة، ووفر الغطاء، وقدم الدعم المالي، والعسكري، والسياسي، وكان هناك غرفة عمليات مشتركة في إدارة الحرب طيلة الفترة السابقة.

وأضاف في تصريحات لـ “المركز الفلسطيني للإعلام”: بقية المواقف الأوروبية كانت متباينة، فهناك بعض الأطراف كالجانب البريطاني والفرنسي والألماني والإيطالي، عدلت بشكل محدود في حدة مواقفها، بالتركيز على الأبعاد الإنسانية، مع استمرار الدعم وتوفير الضوء الأخضر للاحتلال الإسرائيلي. في مقابل، الموقف الإسباني والايرلاندي والأسكتلندي والبلجيكي ومجموعة من الدول الأوروبية، المعارض للعدوان، واستمرار الحرب.

ولفت الجولاني إلى أنّه في اللحظة الراهنة، الجانب الأمريكي يحاول الضغط حتى أنه لو استؤنف القتال من الجانب الإسرائيلي أن تكون إدارة المعركة تقلل من حجم ردود الفعل، بمعنى أن تكون الخسائر في صفوف المدنيين أقل مما كان سابقًا، لكون الجانب الأمريكي تعرض لضغوط واضحة على مستوى الرأي العام وانعكس بشكل واضح على شعبية بايدن وشعبية الحزب الديمقراطي، واستطلاعات الرأي أظهرت أن ثلثي الأمريكيين مع وقف إطلاق النار ويعارضون سياسية الإدارة الأمريكية في تقدم الدعم اللامحدود للجانب الإسرائيلي.

وشدد على أنّه بالنسبة لأمريكا، نعم هناك متغيرات تتعلق بالرأي العام، بالإضافة لتقييمهم لمدى نجاح الاحتلال الإسرائيلي ونسبة تحقيق أهدافه من الحرب بعد ٤٧ يومًا من بدء العدوان، وهم يعتقدون أن النتائج التي تحققت محدودة، لافتا في الوقت ذاته إلى أنّ أمريكيا تبدو اليوم أقل اندفاعا من المضيّ قدما في الحرب.

وحول ازدواجية المعايير الغربية من الحرب في غزة، وعدم تدخلها لوقف شلال الدم بشكل حقيقي وفاعل، قال الجولاني: في تقديري ليس هناك سقطة، بل سقوط أخلاقي وقيمي وحضاري في الموقف الغربي.

وأضاف: النموذج الغربي المتعلق بالحريات وحقوق الإنسان تعرضت لهزة عنيفة في المنطقة العربية. مشيرا إلى أن هذه المزاعم لن تحظى بالتصديق خلال الفترة القادمة، وأن النموذج الحضاري والثقافي والأخلاقي الغربي سقط في المنطقة العربية.

وعبر الجولاني عن اعتقاده بأنه حتى في المجتمعات الغربية هناك صدمة من سلوك العديد من الدول الغربية، والمواطن الغربي نشأ على قيم معينة ولديه تصور عن النموذج الحضاري الغربي، وما حصل في مواقفهم من قطاع غزة يتعارض تماما مع ما كان يتم تسويقه.

واستدرك الجولاني بالقول: لكن كم ستؤثر هذه الصدمة، ما زال القياس محدودا ببعض استطلاعات الرأي في معظم الدول، التي عبرت بالفعل عن حالة عدم رضا إزاء سلوك الجانب الأمريكي والأطراف الأوروبية.

ولفت إلى أنّه حصل تعديل في مواقف بعض الأطراف، فالحكومة البريطانية أحدثت تغيير على سبيل المثال في وزارة الداخلية والخارجية، واليوم من يتابع تصريحات وزير الخارجية كامرون يعبر عن مواقف أكثر توازنا، حتى الرئيس الفرنسي اضطر للحديث عن وقف إطلاق نار.

وحول إمكانية حدوث تغيير سياسي جوهري ضاغط في مسار الحرب، قال الجولاني: حتى اللحظة بكل صراحة لا أعتقد أن التغيرات في المواقف الأوروبية والغربية، وكذلك على مستوى الرأي العام – على أهميته وتطوره – لكنه لم يصل إلى لحظة الضغط المؤثر بمنع الاتجاه نحو الحرب.

 

المحتوى ذو الصلة