بيت لحم/ PNN – في أوائل يوليو، شهدت الأرض ارتفاعًا غير مسبوق في درجات الحرارة، إذ تم تسجيل أربعة أيام هي الأكثر حرارة على الإطلاق، ما أدى إلى تفاقم المخاوف من اقتراب الكوكب من نقاط تحول مناخية حرجة، لا سيما مع تجاوز متوسط درجة حرارة الأرض باستمرار 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت) فوق مستويات عصر ما قبل الصناعة، وهي عتبة يحذر العلماء من تجاوزها لتجنب العواقب الأشد خطورة لتغير المناخ.
وتسببت الأحداث المناخية المتطرفة في حدوث موجات حر شديدة وأعاصير قوية، وحرائق غابات سريعة الانتشار.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة “الواشنطن بوست”، رسم خبراء صورة للعواقب الوخيمة المترتبة على تجاوز درجات الحرارة العالمية عتبة 1.5 درجة مئوية.
ووفقًا لتحليل أجراه العلماء في منظمة “كلايمت سنترال، عانى حوالي 3.6 مليار شخص على مستوى العالم من درجات حرارة مرتفعة بشكل غير عادي، وهي ظاهرة كانت لتكون نادرة للغاية لولا تأثير الأنشطة البشرية مثل حرق الوقود الأحفوري.
ويلفت التقرير إلى أن درجات الحرارة القصوى هي في الواقع تتويج لموجة غير مسبوقة من ارتفاع درجات الحرارة على الصعيد العالمي، وهو ما أدهش حتى الباحثين المخضرمين في مجال المناخ.
وبحسب “يوهان روكستروم” من معهد بوتسدام، فإن تأثير ارتفاع درجة حرارة العالم بمقدار 1.5 درجة مئوية يظهر هشاشة الأنظمة الطبيعية في ظل ارتفاع الحرارة، إذ أصبحت الغابات أقل قدرة على عزل الكربون، واقترب الجليد البحري في القارة القطبية الجنوبية من أدنى مستوياته على الإطلاق، بينما اشتد تبييض الشعاب المرجانية إلى مستويات غير مسبوقة.
وعلى الرغم من التوقعات بنهاية موجة الحر الحالية التي حطمت الأرقام القياسية، يحذر العلماء من أن التعافي من حرارة العام الماضي قد يكون صعبا، إذ يرى “روكستروم” أن الأحداث المتطرفة التي نشهدها الآن هي مؤشرات على ضعف قدرة أنظمة الأرض على الصمود، محذرا في الوقت نفسه من عدم المجازفة بدفع هذه الأنظمة إلى أبعد من ذلك.
ويتابع التقرير قائلا إن درجات الحرارة القياسية التي سجلت هذا الأسبوع، تأتي بعد 13 شهرًا متتاليًا من الحرارة غير المسبوقة، مدفوعة بنمط النينيو المناخي والتلوث الناجم عن حرق الوقود الأحفوري. وفي حين اقترب الاحتباس الحراري من ذروته يوم الأحد الماضي، عندما أظهرت البيانات الصادرة عن خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ، أن متوسط درجة الحرارة العالمية تجاوز الرقم القياسي الذي سُجِّل قبل أكثر من عام بقليل.
علاوة على ذلك، تشهد محيطات العالم أيضًا ارتفاعًا غير مسبوق في درجات الحرارة، حيث تجاوزت درجات الحرارة حول تايوان المعدل الطبيعي بنحو درجتين إلى ثلاث درجات مئوية، وقد أسهم ذلك في زيادة الدمار الذي خلفه إعصار جايمي.
كما تظهر الأبحاث أن ارتفاع درجات حرارة المحيطات يعطي مزيدًا من القوة للأعاصير المدارية، في حين أن الغلاف الجوي الأكثر دفئًا يمكن أن يحتفظ بمزيد من المياه – وبالتالي ينتج المزيد من الأمطار..
وخلال الأسبوع الماضي، سجلت نحو 2000 محطة أرصاد جوية حول العالم أرقاماً قياسية جديدة لدرجات الحرارة المرتفعة يومياً، وفقاً لتقارير المراكز الوطنية للمعلومات البيئية. ورغم أن العلماء لم يحددوا بشكل كامل تأثير الانحباس الحراري على الأحداث المتطرفة التي شهدها هذا العام، فهناك أدلة قوية تربط بين تغير المناخ وزيادة وتيرة وشدة موجات الحر والعواصف والحرائق.
في الأثناء، يقوم العلماء بتقدير متوسط درجة حرارة الأرض بناءً على ملاحظات يرجع تاريخها إلى عام 1850، ويعملون الآن على قياسها من خلال سحب البيانات من أكثر من 20 ألف محطة أرضية، بالإضافة إلى قراءات من السفن والعوامات حول العالم.
وتوصل باحثو المناخ القديم إلى أن الأرض أصبحت حاليا أكثر دفئًا مما كانت عليه منذ أكثر من 100 ألف عام، أي قبل العصر الجليدي الأخير، وذلك من خلال دراسة السجلات المناخية القديمة مثل حلقات الأشجار ورواسب البحيرات.
إلى ذلك، أشارت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي إلى أن ظروف التبريد في المحيط الهادئ الاستوائي قد تؤدي إلى إنهاء ظاهرة النينيو، ما قد يؤدي إلى انخفاض درجات الحرارة بشكل عام. ولكن الكمية غير المسبوقة من الكربون المسبب لاحتباس الحرارة في الغلاف الجوي للأرض، والتي بلغت أعلى مستوياتها منذ أكثر من ثلاثة ملايين عام ــ تعني أن العالم سيظل دافئا بشكل خطير حتى في غياب ظاهرة النينيو، وفقا للتقرير.
ويتوقع العديد من الباحثين أن ينتهي عام 2024 باعتباره العام الأكثر سخونة على الإطلاق، متجاوزا بذلك المعيار الذي سجل في عام 2023.
من جانبها، تحذر عالمة المناخ كيم كوب من جامعة براون من أن حتى التقلبات البسيطة في درجات الحرارة تسهم في اتجاه خطير. فقد شهدت القارة القطبية الجنوبية درجات حرارة أعلى من المعدل الطبيعي بنحو 12 درجة مئوية (21.6 درجة فهرنهايت). في حين تبين “لين تالي” من معهد سكريبس لعلوم المحيطات أن الرياح القوية التي تدفع الهواء الدافئ إلى القارة القطبية الجنوبية تعيق تكوين الجليد البحري، ما يسلط الضوء على التأثير المقلق للاحتباس الحراري العالمي.
حاليًا، وصلت مستويات الجليد البحري في القارة القطبية الجنوبية إلى ثاني أدنى مستوياتها على الإطلاق في هذا الوقت من العام، بعد ذوبان كميات كبيرة من الجليد خلال موسم الذوبان لعام 2023، والذي لم تتعاف منه المنطقة بعد.
أيضا، يشير “روبرت رود” كبير العلماء في مؤسسة “بيركلي إيرث” غير الربحية لبيانات المناخ، إلى أن الأحداث المتطرفة الأخيرة تشير إلى تغيرات محتملة لا رجعة فيها إذا تجاوزت درجات الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية باستمرار. وقد يؤدي هذا إلى انهيار الغطاء الجليدي في جرينلاند، وفقدان الشعاب المرجانية الاستوائية بالكامل، وذوبان الجليد الدائم بشكل مفاجئ.
وفي الختام، يبرز التقرير تأكيد العديد من العلماء بأنه طالما استمرت انبعاثات الكربون، فإن الكوارث المناخية سوف تستمر، وتترك أثرا واسع النطاق على المجتمعات والنظم البيئية على الصعيد العالمي.
المصدر / ارم نيوز