العدالة الدولية وقضية فلسطين.. ميزان مختل وانحياز كامل للاحتلال

[[{“value”:”

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

ما يزيد عن 50 ألف فلسطينيٍّ بين شهيد ومفقود، وأكثر من مائة ألف مصاب، على مساحة من الأرض تبلغ 360 كيلو متر يسكنها مليونان ومائتا ألف نسمة، قد أصبحت أثرًا بعد عين وانقطعت عنها كل أسباب الحياة وتنوعت فيه أصناف الموت بين قتل وتجويع وتعذيب وتهجير، كل ذلك لم يمنع منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند من وصفهم بـ”الإرهاب” لمجرد إقدامهم على ممارسة حقهم في الدفاع عن أرضهم يوم السابع من أكتوبر الماضي.

في المقابل لم يعتبر المنسق الأممي وينسلاند -في كلمته أثناء تقديمه إحاطة لمجلس الأمن حول التطورات الأخيرة في المنطقة- ما فعلته إسرائيل من جرائم حرب وإبادة جماعية أكثر من كونه “أعمال عنف”!؛ ولم يقدر على مطالبة إسرائيل منفردة بوقف عدوانها على غزة حتى جمعها في عبارة واحدة مع المقاومة التي اعتبرها أحد طرفي الحرب، وليس حركة مقاومة تدافع عن أبناء شعبها.

حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين رأت في كلمة وينسلاند انحيازًا لإسرائيل، تحت ضغوط صهيونية أو كنوع من تقديم خدمات مجانية للاحتلال على حساب الشعب الفلسطيني المظلوم.

ودعت حركة الجهاد -على لسان القيادي فيها إحسان عطايا رئيس دائرة العلاقات العربية والدولية عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين- المنسق الأممي إلى “الشفافية والانحياز إلى الحق والعدالة، وعدم اتهام الشعب الفلسطيني ومقاومته بالإرهاب”.

واعتبر عطايا مثل هذا الاتهام للشعب الفلسطيني “ظلمًا كبيرًا من مسؤول أممي رفيع المستوى لأرواح عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والمدنيين الذين أريقت دماؤهم على أرض فلسطين المحتلة، ولا سيما في قطاع غزة والضفة الغربية، خلال هذه الحرب الوحشية غير المسبوقة”.

وتساءل القيادي الفلسطيني عن سبب هذا الانحياز الذي يبديه وينسلاند، قائلًا: “هل يتعرض وينسلاند لضغوط صهيونية بحكم إقامته في القدس أم إنه يقدم خدمة مجانية لكيان الاحتلال؟!”.

وفنّد عطايا ما جاء في إحاطة المنسق الأممي من انتقاء لعبارات “تجنب فيها استخدام أي كلمة من شأنها أن تغضب قادة إسرائيل، بل تبنّى في بعض عباراته وجهة نظر المحتل المتوحش، كأنه يسعى لاسترضائه”.

وأوضح أن وينسلاند “لم يستخدم في إحاطته كلمة الإرهاب إلا مرتين، الأولى ليتهم بها المقاومة الفلسطينية التي تسعى إلى تحرير أرضها المحتلة، إذ قال: الأعمال الإرهابية المروعة التي ارتكبتها حماس وجماعات فلسطينية مسلحة أخرى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023”.

وقارن القيادي في حركة الجهاد ذلك بعبارات أخرى في الإحاطة تخفف من وطأة جرائم الاحتلال؛ حيث وصف حرب الإبادة الجماعية، والمجازر الوحشية، والتدمير الهمجي المتعمد في غزة، بأنها “حوادث”!.

وأضاف عطايا: “أما المرة الثانية التي استخدم فيها -وينسلاند- كلمة الإرهاب “فجاءت في سياق التلميح إلى المقاومة الفلسطينية، وربطها بكلمة العنف التي وردت على استحياء تلميحًا إلى إسرائيل، إذ رأى أن وقف العنف الإسرائيلي كفيل بنزع مبررات “الإرهاب الفلسطيني”.

وعن الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية، قال عطايا إن وينسلاند يسمي اقتحامات جيش العدو المتكررة للمدن والقرى الفلسطينية المحتلة، وقتل مئات الفلسطينيين واعتقال الآلاف منهم في الأشهر العشرة الأخيرة، وهدم البيوت المتواصل “عمليات أمنية إسرائيلية”، ويدعو إلى “تقليص العنف الإسرائيلي، وليس إلى وقفه أو إنهائه”.

كلمة وينسلاند هي “مساواة بين المُعتدِي والمُعتدَى عليه”،كما عبر بذلك عضو المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة، الدكتور باسم نعيم، والذي أكد أن هذه الإحاطة تخالف صريح القانون الدولي وتتجاوز حتى “موقف الأمم المتحدة المعلن والذي عبرت عنه العديد من المنظمات الأممية في فلسطين، بل تجاوز الأمر ليتبنى رواية الاحتلال التي يروجها لتبرير عدوانه”.

وأوضح نعيم في بيان له أنّ من بين المغالطات والتجاوزات التي جاءت في خطاب وينسلاند، تبنيه رواية الاحتلال فيما يتعلق بمراكز الإيواء والمباني المدنية ومقار الأمم المتحدة؛ حيث ادعى أنها تستعمل لأغراض عسكرية دون أي دليل، وهذه هي رواية الاحتلال التي لم يثبتها في أي مرة.

وقال إن وينسلاند بذلك يعطي الاحتلال الذرائع لاستمرار القصف وقتل المدنيين الفلسطينيين، في الوقت الذي يتغافل عن كل الصور والفيديوهات التي تثبت استعمال جيش الاحتلال للمدارس والجامعات ومنازل المواطنين وحتى المقرات الأممية كقواعد عسكرية.

وأضاف أن وينسلاند تبنى رواية الاحتلال في مبررات عدوانه على الفلسطينيين في الضفة المحتلة، بأن قتل الناس وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، يأتي في إطار ملاحقة قوى المقاومة، ونسي أن أكثر من 20 ألف فلسطيني قتلوا خلال الأعوام الماضية في كل شوارع وأزقة وبيوت الضفة المحتلة بدون أي مبررات، سوى كونهم فلسطينيين يعيشون في وطنهم.

كما أشار إلى وصفه مقاومة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال بالإرهاب، في الوقت الذي وصف (وينسلاند) إرهاب الدولة الذي يمارسه المستوطنون بحماية الجيش ووزراء الحكومة الإسرائيليّة بالعنف.

وبيّن عضو المكتب السياسي في حماس، أن وينسلاند تحدث بشغف حول معاناة الأسرى الإسرائيليينً لدى المقاومة، ونسي أن آلاف الأسرى الفلسطينيين بمن فيهم النساء والأطفال منذ عقود يعيشون في ظروف لا تليق بالبشر، وخاصة بعد السابع من أكتوبر.

كما تطرّق باسم نعيم إلى تجاهل وينسلاند وبشكل متكرر ما تتعرض له وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين “الأونروا” من محاولات إسرائيليّة لتقويض عملها في الأراضي الفلسطينية بل وشطبها تمامًا، وخاصة في قطاع غزة في ظل أكبر أزمة إنسانية يمر بها القطاع.

وختم باسم نعيم بيانه بالقول إن تكرار مغالطات المفوّض الأممي تور وينسلاند، يعني أنها سياسة معتمدة ومتعمّدة، ونطالبه بالتراجع عنها، والالتزام بحدود المهمة الموكلة إليه كوسيط دولي.

القيادي في حماس باسم نعيم

تأتي كلمة المنسق الأممي في إطار انسجام العديد من المؤسسات الدولية، وكذلك الدول التي تزعم قيامها بدور الوساطة، في تبني رواية الاحتلال وتبرير جرائمه، والتقليل من هول بشاعتها، في الوقت الذي تتعامل مع معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر على أنها جريمة وحشية وعمل إرهابي في حق الإسرائيليين.

اختلال ميزان العدالة الدولية عبّر عنه قبل ذلك المدّعي العام في محكمة العدل الدولية، كريم خان، الذي ساوى بين المجازر الوحشية التي ترتكبها إسرائيل منذ أكثر من عشرة أشهر، وبين ما قامت به المقاومة في السابع من أكتوبر؛ حيث أدان القائد الشهيد إسماعيل هنية -الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس-، والقائد يحيى السنوار -رئيس حركة حماس في غزة آنذاك- والمجاهد محمد الضيف -قائد كتائب القسام-، بنفس القدر الذي أدان به كلا من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت، معتبرًا أن كلا الفريقين ارتكبا جرائم الحرب ذاتها!.

وفي الوقت الذي شملت فيه إدانة المحمة الدولية كل المسؤولين عن معركة طوفان الأقصى من الجانب الفلسطيني، فإنها لم تشمل من جانب الاحتلال إلا رئيس الوزراء ووزير الدفاع، متجاهلة بقية المتورطين في المجازر الوحشية طيلة هذه الحرب، كرئيس الأركان وبقية أعضاء مجلس الحرب الإسرائيليين.

مدعي عام الجنائية الدولية كريم خان

أما الجانب الأمريكي والذي يصف نفسه بأنه وسيط، فهو يتقدم في الحقيقة على الاحتلال خطوات في ارتكاب هذه الجرائم، من خلال الدعم السياسي والعسكري المتواصل، والتبني المستمر لرواية الاحتلال والدفاع عنه ضد أي اتهام من قبل المؤسسات الدولية أو أية إدانات تلحقه أو حتى اتخاذ أي قرار من شأنه وقف الحرب.

وفي مطلع شهر مايو الماضي قدم الرئيس الأمريكي مقترحًا لوقف إطلاق النار وإبرام صفقة تبادل للأسرى، أيّدته حركة حماس ورحّب بذلك الوسيطان الآخران (المصري والقطري)، ولقي ذلك قبولاً لدى الإدارة الأمريكية أول الأمر، إلا أن رفض بنيامين نتنياهو للمقترح الأمريكي، حوّل مسار التصريحات الأمريكية إلى إدانة حركة حماس واتهامها بعرقلة الاتفاق.

وعقب اجتماعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قبل أيام، قال بلينكن إن نتنياهو وافق على المقترح الأمريكي الجديد، وإن الأمر متروك لموافقة حركة حماس للتوصل للصفقة، متجاهلاً ما قام به نتنياهو من تقديم مطالب إضافية متشددة في ما يتعلق بمستقبل وجود قوات الاحتلال داخل قطاع غزة، وهو ما ترفضه حماس وكذلك الحكومة المصرية التي ترفض الوجود الإسرائيلي في محور فيلادلفيا.

بلينكن نتنياهو

وبرز دور بلينكن خلال الأشهر الأخيرة في تشكيل وتقرير سياسة بلاده تجاه أزمة العدوان الإسرائيلي على غزة؛ حيث قاوم منذ اللحظات الأولى أي دعوات للضغط على إسرائيل من أجل وقف إطلاق النار، بل لم يضع أي خطوط حمراء إذا تخطتها إسرائيل قد يتبعها قطع المساعدات العسكرية المتدفقة إليها، أو حتى خفضها.

وتحت قيادته، أصبحت رسالة الدبلوماسية الأميركية بوضوح هي أنه لن تكون هناك عواقب على الحكومة الإسرائيلية بغض النظر عما تفعله في غزة من قتل وترويع وقضاء على أسباب الحياة.

“}]] 

المحتوى ذو الصلة