المظاهرات الطلابية الامريكية ما بين فيتنام وفلسطين بقلم: أكرم عطاالله العيسة

 ​   

لم يعدم رئيس جامعة كولمبيا جيراسون كيرك الوسيلة ولا المبررات في نيسان عام 1968 عندما قام باستدعاء الشرطة الامريكية، من اجل وقف احتجاجات الطلبة في نيسان من ذلك العام، متهما الطلبة انهم يعطلون الحياة الدراسية، ويعتدون على الممتلكات الجامعية، ويثيرون الشغب، الطلبة الأمريكيين كانوا يتظاهرون ضد حرب فيتنام الدامية وضد مساهمة جامعة كولمبيا فيها من خلال برامج واختبارات التسليح، والتي كانت تخدم الالة العسكرية الامريكية في فيتنام.

يقول البروفسور روبرت ماكوجي وهو الذي كتب تاريخ جامعة كولمبيا معلقا على الاحداث الراهنة من مظاهرات واعتصامات في الجامعة “انه الاختبار الأكثر أهمية الذي تواجهه الجامعة منذ تعافيها من أزمة عام 1968 وسط حرب فيتنام”، وجهه الشبه هذا والذي قفز حاضرا الى ذهن وذاكرة الكثير من المراقبين ما بين تظاهرات الطلبة الأمريكيين في عام 1968 وعام 2024، هذا الشبه يرعب بعض الساسة الأمريكيين خاصة انه يجري قبل أشهر ليست بطويلة من الانتخابات الرئاسية، وكذلك هو يثير القلق الشديد لدى الساسة الإسرائيليين الذين اختبروا أثر الطلبة الامريكان ابان نهاية ستينات القرن الماضي في تحريك الشارع الأمريكي برمته ضد الاحتلال الأمريكي في فيتنام.

 

قبل يومين خرج رئيس دولة الاحتلال في تسجيل تلفزيوني غير مسبوق وباللغة الإنجليزية التي يتقنها جيدا معلقا على ما يجري في الجامعات الامريكية التي هبت متضامنة مع شعب فلسطين، قال نتنياهو في مستهل حديثه، ان ما يجري مخيف، ومناهضا للسامية، وأضاف انه يهدد أمن الطلبة اليهود “علما ان قسما غير قليل من المشاركين في تلك المظاهرات هم يهود أمريكيين” نتنياهو ذهب ابعد من ذلك وقال ان ما يجري من المظاهرات الطلابية في أمريكا حاليا يشابه المظاهرات الطلابية  الداعمة للنازية الالمانية ابان ثلاثينات القرن الماضي، حتى ان نتنياهو تحدث بصلف عن ضرورة وقف ما يجري من مظاهرات باي طريقة، وكانه لا يقدم نصائح للأمريكيين بل أوامر.

نتنياهو الذي نما وتعلم في المدارس الامريكية يدرك مدى تأثير الجامعات الامريكية خاصة الجامعات المرموقة مثل كولومبيا، وهارفرد وييل وبرنستون وغيرها، فهي جامعات لها أثر اعتباري وسياسي واجتماعي كبير في المجتمع الأمريكي، لهذا خرج نتنياهو غاضبا متوهجا بل حتى متوترا، مما اثار الكثير من ردود الفعل لدى العديد من النشطاء الأمريكيين على وسائل التواصل الاجتماعيوبعض محطات الاعلام الامريكية كونه تحدث وكانه رئيس امريكي او رئيسا لاحد الأحزاب الامريكية، نتنياهو وغيره من السياسيين الأمريكيين يتخوفون من إمكانية تغير السردية السائدة والمدعاة في الولايات المتحدة الامريكية على ان إسرائيل دولة ديمقراطية ومحاطة بشعوب تكن لها الكراهية، وانها الدولة الحاملة لقيم الحرية التي تمثلها الولايات المتحدة.

مطالب الطلبة الأمريكيين والتي تتفاوت قليلا ما بين جامعة وأخرى فبعضا منها يتظاهر ضد العدوان الإسرائيلي على غزة والمشاركة الامريكية فيه، وبعضا آخر ذهب ابعد من ذلك بكثير مطالبا بمقاطعة الجامعات الإسرائيلية ووقف مشاركة الجامعات الامريكية في برامج ومشاريع وشركات مرتبطة بإسرائيل، إضافة الى ادانة إسرائيل وحربها والابادة الجماعية التي ترتكب في قطاع غزة، هذه المطالب والتي تتعارض بالمطلق مع السياسة الامريكية التي ينتهجها كلا الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة، الديمقراطي والذي يحكم الولايات المتحدة حاليا والجمهوري الذي يقف في المعارضة، لهذا تنادى الكونغرس الأمريكيباستدعاء بعضا من رؤساء الجامعات للاستجواب.

كانت رئيسة جامعة كولمبيا المصرية الأصل نعمت شفيق من بين رؤساء الجامعات الذين تم استدعائهم، والتي أظهرتحماسة في التعاطي إيجابيا مع بعض الأسئلة من قبل بعض أعضاء الكونغرس من الموغلين في صهيونيتهم، حيث سألها النائب الجمهوري عن جورجيا ريك ألين ان كانت على معرفة بسفر التكوين 12.3، اجابته انها لا تحفظه غيبا، ولهذا قام بتوضيح النص لها كما يحلو له ويخدم أفكاره الصهيونية في الدفاع عن اسرائيل: “لقد كان العهد الذي قطعه الرب لإبراهيم، وكان عهداًواضحاً: إذا باركت إسرائيل فسأباركك، وإن لعنتها فسألعنك”، مؤكدا أن هذا الميثاق ورد في العهد القديم والجديد. وسأل ريك ألين بحرارة: “هل تعتقدين هذا أمراً جدياً”، و”هل تريدين أن تتعرض كولومبيا للعنة الرب؟” ورد ألين: “قطعاً لا”. وأضاف: “يتم تثقيف الشبان على يد هؤلاء الأساتذة، والإيمان بهذا الكلام، وليست لديهم فكرة أن الرب سيلعنهم، رب الإنجيل والرب فوق علمنا”.

على عكس ما فعله رؤساء جامعة هارفرد وبنسلفانيا الذين رفضوا سابقا ادانة احتجاجات الطلاب لدعم القضية الفلسطينية والتنديد بالتجاوزات الإسرائيلية ، واستخدموا أسلوب  المحامي المراوغ وفق وصف صحيفة ذا ناشيونال الامريكية وقدموا استقالاتهم لاحقا، يبدو ان نعمت شفيق عادت الى الجامعة مرتعبة وخائفة على مصالحها الشخصية الضيقة  اكثر من حرصها على حق الطلبة في التظاهر وحرية التعبير وقررت استدعاء الشرطة الامريكية من اجل القمع ، اثبتت انها تريد علاج تظاهرات الطلبة واعتصاماتهم على الطريقة الشرق أوسطية وبلمسة مصرية، لم تكن تدرك ان هنالك لعنة ستلاحقها ربما نسميها لعنة قمع الطلبة ابان حرب فيتنام في نيسان عام 1968، والتي استقال في حينها رئيس جامعة كولمبيا جيراسون كيرك، استقال لأنه لجأ للعنف في مواجهة حراك الطلبة، وهاهم بعضا من أعضاءالكونغرس الذين حاولت ان ترضيهم بمن فيهم رئيس الكونغرس مايك جونسون يطالبون باستقالتها لأنها لم تحسن إدارة الازمة.

 

  

المحتوى ذو الصلة