[[{“value”:”
لا شك أن التظاهرات والوقفات والمسيرات ليست كأعمال الاشتباك والمُسايَفة والمناضلة في الميدان، لكنها نمطٌ من أنماط كلمة الحقّ التي تكون في مواضعَ مِن أكملِ الإيمان، وفي مواضع أخرى من أضعف الإيمان؛ وبعدها يكون الإنسان الساكنُ الساكتُ شيطاناً أخرس لا يستحقّ إلا الطردَ والإبعاد أو الإهمال.
والذين يقلّلون من شأن المظاهرات والوقفات والبرامج التضامنية الحاشدة، أو يَسْخرون من الناشطين فيها ويسخّفونهم، أو يشكّكون في جدواها، أو يعملون على تثبيطها وإقعاد الناس عنها فهُم فئة معادية شرّيرة لا تخدم إلا أغراض العدوّ المتنفِّع بهم والمتنفِّعين به، وهم يستخدمون شعار مصلحة الوطن أوّلاً في غير محلّه ولا مصلحته، لأن مصلحة الوطن أن يكون حرّاً قائماً بالحقّ قادراً على حماية كل مواطنيه من السياسات العميلة التي تخترقه، والمواقف المخزية التي تُسقط من هيبته، وتُحرِق حضورَه المحترِم.
وأنتم عندما تخرجون في تلاحمٍ وإعداد من أجل مواقفكم الصادعة بالحقّ، وإعلانِ حقيقة مشاعركم، وإظهارِ إرادتكم فـإنّكم تنبّهون هذه الأنظمة على خطأ سلوكها وخَطَل مواقفها، وتكشفون لها أن الشعب غير راضٍ عنها، ولا يسمح بتمريرها، وإذا ثبتّم وأصررتم فإنكم بذلك سترغمونهم على رفع السقف أو تعديل السياسة أو الاستتار بتأجيلها، أو ركوبِ سياسةٍ أقلّ سوءاً وشرّاً.
وعندما تتظاهرون في وحدةٍ واعتصام فإنّكم تضعون قضيّتكم في صدارة الأولويات الوطنيّة، وترغمون أنظمتكم على إخراجها من أدراج المتابعات المُمِلّة والاستعراضات الباردة، وتجعلونهم يبحثون عن خيارات تُظهر اهتمامهم وتنظّف سجلّهم وتبرّئهم من تهمة مظاهرة العدوّ ومُطابعتِه ولو بالحيلة.
وأنتم عندما تتظاهرون بلا خوف ولا اعتبار للتخويفات والتهديدات فإنكم تظهرون للعدوّ أنّكم قادرون على فتج جبهة جديدة، وأنّكم قادرون على قلب الطاولة، وتغيير الواقع، وكسر الجمود في مواقف التخاذل، وسيجعل لكم العدوّ اعتباراً عندما يريد اتخاذ أيّ قرار.
وأنتم بتظاهراتكم الغاضبة وشعاراتكم الهاتفة الدّاوِية تضخّون الأمل في نفوس أولئك الذين جفّت أعينهم من الدمع حزَناً على شعورهم بالخذلان الشديد، وتضعون مَراهِم الشفاء على جراحهم الوارِمة، وستعتدل نفوسهم التي تنتظر فتحاً وجَبْراً وغوثاً من الجار القريب القادر على بلوغهم.
وأنتم بكل من معكم من رجال ونساء وكبار وصغار تفرحون قلوب أولئك الذين حوصروا وشُرّدوا وأوذوا وأصابهم النقص في المال والأنفس والثمرات، وسيثبّتون صغارَهم الخائفين وضعَفتَهم المرعوبين بأنّ وراءنا ظهراً وسنداً بدأ بالنفير كما ترونَ فلا تُظهروا الضعف أمام عدوّكم، وابتسموا للنوازل والكوارث برضا، واصرخوا في وجه العدوّ بأنّا أمّة لا نركع إلا لله المنتقم العزيز الجبّار.
هذه الدائرة ستكتمل سريعاً إذا استطعتم استنفار كل أحدٍ ليشارك معكم، وأكثر الشعوب تترقّب مشاهد الثبات منكم في ساحات التظاهر ، وهي ستنحاز لكم إذا رأت فيكم الأهليّة والجدارة ليتبعوكم بثباتكم وإصراركم وشجاعتكم.
وإذا صحّت نياتكم وحرصتم غاية الحرص على بلوغ مرادكم بلا هوادة فإنكم بِنيّتكم هذه وانبعاثكم الكبير هذا تكونون قد دخلتم إلى الميدان، فلا يريَنّ إخوانُكم في جبهة النار منكم ضعفاً أو تراجعاً!
“}]]