غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
في مشهدٍ قد يعتقد القارئ للوهلة الأولى أنه يطالعه في أحد كتب السيرة النبوية حين حاصرت قريش النبي عليه السلام وأصحابه في شعب أبي طالب، حتى أنهم من شدة الحصار والجوع الذي حلّ بهم أكلوا أوراق الشجر، يتكرر المشهد ولكن في زمننا الحاضر حيث يزعم العالم التحضر والمدنية ويتباهى في الدفاع عن حقوق الإنسان، إلا في غزة المحاصرة المدمرة التي يُمنع عن أهلها “شربة الماء وحبة الدواء ولقمة الغذاء”، الأمر الذي يضطرهم “لأكل أوراق الشجر والدواجن النافقة”.
هكذا هو الحال البائس الذي ينذر بمجاعة حقيقية في قطاع غزة بحسب تحذيرات منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة التي تكتفي بتوصيف المشهد دون أن تحرك ساكنا لكسر الحصار الظالم وإدخال المساعدات لأهل غزة بقوة القانون الذي وضع على الرفوف الممتلئة بالغبار فقط لأنّ القضية تتعلق بفلسطين التي يتعامل معها العالم بازدواجية معايير فاضحة.
في منطقة الجلاء، يحاصر الاحتلال الإسرائيلي السكان، وقد وضع صباح أمس حواجز مع تحذير للموجودين في الشوارع من الاقتراب منها لوجود قناص.
يقترب البعض من أبواب المنازل، إلا أنهم لا يستطيعون التحرك في الشوارع الفرعية بعد حصار استمر 12 يوماً، كما يقول أحمد رزق (27 عاماً) الذي عمد إلى توفير الإنترنت حتى يتمكن من التواصل مع أسرته التي نزحت إلى مدينة خانيونس.
يوضح رزق في حديثه لـ “العربي الجديد” أنهم تناولوا أوراق الشجر أخيراً مع الخبز، وكانوا يختارون أوراقاً لا تحتوي على الصمغ الأبيض. ويوضح أن الحاكورة الصغيرة بالقرب من منزله أنبتت أعشاباً خضراء يعتقد أنها حماصيص (نبتة شتوية معمرة تؤكل) فوضعها في الخبز وتناولها برفقة 5 ممن يوجدون في منزله. رفض البعض تناولها بداية، إلا أنهم تشجعوا بعد يومين.
ويتابع حديثه بالقول “حين كنت طفلاً، أذكر أنني تناولت أوراق الشجر، لأنني رأيت ذلك في مشهد في أحد الأفلام. ولم أصب بأذى. وحين علمت والدتي بالأمر، ضربتني على يدي حتى لا أكررها. لكنني كررتها أخيراً وأخبرت والدتي، وهي نازحة في إحدى المدارس في مدينة خانيونس بالأمر. لكن هذه المرة، بكت بشدة”.
أما في شمال قطاع غزة، فالألم ليس أقل حدة والحال ليس أقل بؤسا، حيث سلقت نوال أبو سيف (34 عاماً) عظام دواجن بعد تنشيفها مستعينة بأشعة الشمس، وأضافت إليها مرقة الدجاج التي وجدتها على أنقاض أحد المنازل المدمرة وسط مخيم جباليا.
وضعت الخبز الناشف فيها، علماً أنها لا تعرف إن كان صالحاً للأكل. لكن على الأقل لم يظهر عليه العفن، لأن الجو بارد.
أعدّت أبو سيف مرقة دجاج مع الخبز كما تعد أكلة الفتة من دون أرز أو لحوم كما توضح، وهو طبق مشهور في القطاع.
على الرغم من المأساة، إلا أنها استطاعت إعداد طبق يُعَدّ صعباً في الظروف التي يعيشها شمال القطاع. إلا أن الجميع، أي عدد أفراد عائلتها، بالإضافة إلى نازحين آخرين، حصلوا على القليل من الطعام.
ويواصل الاحتلال الغاشم حصار جميع المدن الغزية خلال الأيام الأخيرة، بما فيها مدينة رفح التي يعجز أهلها عن الوصول إلى مدينة خانيونس. ويتوغل الاحتلال في شمال خانيونس وشرقها، ويفصل حاجز الموت الشرقي وآليات الاحتلال مدينة غزة وشمال قطاع غزة عن كل مقومات الحياة.
ويعمد أهل غزة للبحث بين الأنقاض في شمال القطاع وحتى مدينة غزة عن طعام على أمل العثور على معلبات أو غير ذلك مما يصلح للأكل.
تحذيرات من المجاعة المحدقة
من جانبه جدد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة التحذير من خطر المجاعة والجوع في غزة، قائلاً إن الناس في القطاع يعيشون على وجبة واحدة في اليوم “إذا كانوا محظوظين”. وشدد في منشور على منصة “إكس” على ضرورة توسيع نطاق الوصول الآمن ودون عوائق للمساعدات، من أجل الحيلولة دون حدوث مجاعة في غزة، مؤكداً الحاجة إلى السلام أكثر من أي شيء آخر. ويفتك الجوع بأهالي القطاع، فيما بدأت المناطق المحاصرة تعاني المجاعة.
لكن الأشد ألما بالنسبة لأهل غزة المحاصرين أن يروا تلك المساعدات القليلة التي تدخل إليهم وقد سيطرت عليها قوات الاحتلال فيقوم جنوده المجرمون بإحراقها على مرأى ومسمع العالم أجمع، فيما تتكدس قوافل الإغاثة على الجانب الآخر من المعبر دون أن يملك العالم القدرة على فتح المعبر وإدخال المساعدات قبل أن تحل كارثة المجاعة التي تحذر منها كل المؤسسات الدولية.
9 من كل 10 في غزة لا يأكلون
يذكر أنّ المدير العام لـمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، قال الأحد الماضي، إن القطاع الصحي في غزة يواجه تداعيات “كارثية” بسبب الحرب الإسرائيلية، في حين أكد مسؤول أممي أن نصف سكان غزة يتضورون جوعا، و9 من كل 10 لا يأكلون يوميا.
من جانبه، قال كارل سكاو نائب المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة “نصف السكان يتضورون جوعا، و9 من كل 10 لا يأكلون كل يوم. ومن الواضح أن الاحتياجات هائلة”.