خان يونس في قلب المعركة.. مدينة الشهداء والقادة لن تُكسر

خان يونس – المركز الفلسطيني للإعلام
بعد انقشاع الهدنة الإنسانية المؤقتة التي امتدت سبعة أيام في أوج الإبادة الجماعية التي يشنّها جيش الاحتلال على غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، ركزت فوهات آليات الاحتلال على خان يونس، ويقول جيش الاحتلال إنَّ عمليته البرية ستتركز هناك، ودعا سكان المناطق الشرقية والعديد من أحياء المدينة للإخلاء نحو رفح ومنطقة المواصي.

ولليوم الثالث تواليًا، يواصل جيش الاحتلال قصفه المكثف، برًّا وبحرًا وجوًّا، على أحياء مدينة خان يونس، وخاصة الشرقية منها، وهجّر آلاف المواطنين من منازلهم، ولا يزال يرتكب مجازر مروعة في المدينة. لكن تاريخ المدينة يقول إن جيش الاحتلال لن يستطيع أن يحقق في خان يونس ما عجز عن تحقيقه في غزة وشمالها من أهدافه المعلنة، وستبقى المدينة شامخة لا تُكسر.

يستطيب سكان مدينة خانيونس أن يطلقوا عليها “مدينة الشهداء والقادة”، فهي المدينة التي خرَّجت عددا كبيرا من أبرز قادة حركة المقاومة الإسلامية حماس، وأبرز قادة جناحها العسكري كتائب الشهيد عز الدين القسام، والذين لا زالوا يديرون دفة الأمور في الحركة والكتائب، فيما يقبع عدد منهم خلف قضبان الاحتلال.

في أحد أزقة مدينة خان يونس، وبالتحديد في مخيمها الصامد، بالقرب من مسجد بلال وسط المدينة، ولد وترعرع محمد الضيف، القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام.

محمد الضيف

وتعود أصول عائلته لأسرة فلسطينية لاجئة من قرية كوكبا في أراضي الـ 48 لتعيش رحلة التشرد في مخيمات اللاجئين قبل أن تستقر في مخيم خان يونس حيث نشأ هناك.

وعرف الضيف طريق المساجد مبكراً، وشكلت مساجد خان يونس الرئيسية “بلال” و”الشافعي” و”الرحمة” المحاور الثلاثة التي صقلت فيها شخصية الضيف، حتى بات من قيادات العمل الإسلامي والنشاط الدعوي، ومن ثم العسكري، إلى أن غدا قائدا للكتائب حتى يومنا هذا.

ولا تزال عائلة القائد الضيف تعيش في بيت متواضع في أحد أزقة معسكر خان يونس للاجئين.

حسن عبد الرحمن حسن سلامة أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، من سكان خان يونس جنوب قطاع غزة، اعتقل في الخليل عام 1996، وحكم عليه بالسجن 48 مؤبداً وثلاثين عاماً (1175 عاماً)، أمضى منها 13 عاماً في العزل الانفرادي.

حسن سلامة

انتمى باكرا لحركة المقاومة الإسلامية حماس ولجناحها العسكري كتائب عز الدين القسام،نشأ وترعرع في مسجد الشافعي غرب مدينة خانيونس، وعمل إلى جانب محمد الضيف فترة طويلة، وقاد عمليات الثأر المقدس انتقاما لدماء القائد القسامي المهندس يحيى عياش، والتي أدت لوقوع عشرات القتلى الإسرائيليين الصهاينة.

الدكتور عبد العزيز علي عبد الحفيظ الرنتيسي، الملقب بـ”صخرة فلسطين”، ولد يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول 1947 في قرية يبنا (بين عسقلان ويافا)، ولجأت أسرته بعد حرب 1948 إلى قطاع غزة واستقرت في مخيم خان يونس للاجئين وكان عمره وقتها ستة أشهر، وقد نشأ بين تسعة إخوة وأختين في أروقة المخيم.

أنهى دراسته الثانوية عام 1965، وتخرج في كلية الطب بجامعة الإسكندرية عام 1972، ونال منها لاحقاً درجة الماجستير في طب الأطفال، ثم عمل طبيبا مقيما في مستشفى ناصر، وهو المركز الطبي الرئيسي في مدينة خان يونس منذ عام 1976.

الرنتيسي

وفي خان يونس بزغ نجم الرنتيسي طبيبا وداعية وقائدا ثوريًّا مؤثرًا، يجوب مساجد المدينة وأحيائها ينظر للمقاومة ومنهجها، حتى استوى البناء الفكري على سوقه فساهم القائد الملهم في إصدار البيان الأول لتأسيس حركة حماس في 14 ديسمبر 1987م رفقة الشيخ أحمد ياسين وقادة آخرين.

ولد يحيى السنوار عام 1962 بمخيم خان يونس لعائلة ترجع أصولها إلى مجدل عسقلان المحتلة، درس في مخيم خان يونس، والتحق بالجامعة الإسلامية في غزة حيث حصل على البكالوريوس في اللغة العربية. ويعد يحيى السنوار من القيادات الفلسطينية الأولى التي قادت أشكالا مختلفة من المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي منذ بدية ثمانينيات القرن الماضي.

يحيى السنوار

وللدورة الثانية على التوالي، لا يزال السنوار يقود حركة المقاومة الإسلامية حماس في قطاع غزة، لكنه رغم ذلك لا يزال يسكن أحد أحياء مدينة خان يونس، وقد تم قصف منزله مرات عديدة دون أن يغادر المدينة.

يتكون اسم خان يونس من كلمتين: الأولى (خان) بمعنى الفندق، والثانية (يونس) نسبة إلى مؤسس الخان الأمير يونس النوروزي الدوادار الذي أقام الخان عام 1387م، وقد بنيت المدينة على أطلال مدينة قديمة كانت تعرف باسم (جنيس).

تقع خان يونس في الجزء الجنوبي من قطاع غزة، وتبعد عن القدس مسافة 100 كم إلى الجنوب الغربي. يحدها من الجنوب مدينة رفح ومن الشمال مدينة دير البلح، وهي مركز محافظة ساحلية تطل على البحر الأبيض المتوسط من جهة الغرب ومن الشرق صحراء النقب.

تعدّ خان يونس ثاني أكبر مدينة في قطاع غزة من حيث السكان والمساحة بعد مدينة غزة، حيث يبلغ عدد سكانها اليوم ما يزيد عن 440 ألف نسمة، وهو ما يمثل 16% من سكان قطاع غزة. كما تبلغ مساحتها 54 كيلومترًا مربعًا، مما يجعلها واحدة من أكثر المدن الفلسطينية كثافة بالسكان.

توجد بها بلدة القرارة التي تعد من أجمل الأماكن في قطاع غزة من حيث هوائها النقي وأجوائها الهادئة حيث يقصدها أغلب سكان القطاع للتنزه وقضاء الرحلات الجميلة، ومن قرى خانيونس أيضاً بلدة عبسان الكبيرة وبلدة بني سهيلا وعبسان الكبيرة وعبسان الصغيرة وبلدة خزاعة ومعن وقيزان النجار والسطر الغربي والشرقي. وفي عدوانه الحالي، يستهدف العدو هذه البلدات بشكل مكثف وعنيف.

كان من أهم المشاركات التاريخية والعسكرية وأبرزها دور المدينة البطولي في التصدي للغزو البريطاني؛ ما اضطرّ البريطانيين إلى ضرب قلعتها بنيران المدفعية التي أدت إلى تهدُّم القلعة.

وتعمّد الإنجليز إهمال ترميم القلعة، لأنهم لم يرغبوا في تجديد دورها العسكري، ومن هنا تحوّلت الأراضي الواقعة داخل القلعة إلى ملكيات خاصة، فأزال الناس بقايا الخان المتهدم، بل أزالوا أسوار القلعة نفسها، والتي كان آخرها السور الجنوبي الذي أزيل تدريجيًّا بعد احتلال المدينة بعد حرب 1967م. أما اليوم فلم يبق من القلعة غير الواجهة الغربية، وهي عبارة عن البوابة الرئيسة للقلعة والخان، وتطل على وسط المدينة.

وفي أعقاب حرب 1948م استقبل أهالي مدينة خان يونس نحو خمسين ألف لاجئ من إخوانهم الفلسطينيين، الذين لا يزالون يقيمون في معسكراتهم بالمدينة انتظارًا للعودة إلى مدنهم وقراهم السليبة.

فبعد عام 1948 أنشأت وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين معسكر اللاجئين الفلسطينيين غرب المدينة، وذلك فوق الكثبان الرملية التي تمتد بين المدينة وشاطئ البحر، ولا يزال المعسكر شامخا حتى هذه اللحظة.

وساهمت مدينة خان يونس مساهمة فعالة في حربي عامي 1956م و1967م، حيث كانت من أكثر المدن صموداً وتصدياً، فعاقبها جيش الاحتلال سنة 1956م بارتكاب مجزرة بشعة فوق ترابها الطاهر.

أمّا عقوبة صمودها بعد حرب 1967م، فكانت قرار قوات جيش الاحتلال عدم السماح للمدينة بتجديد أو ترميم بنيتها التحتية بسبب صمودها الأسطوري، فأصبحت مدينة منكوبة على الصعيدين الداخلي والخارجي، فضلاً عن قيام إسرائيل بالسيطرة على الامتداد الإقليمي للمدينة بالاستيطان وسلب المياه ومحاصرتها؛ حتى لا تضطلع بدورها النضالي مرة أخرى.

في عام 1987، انخرط سكان المدينة بوقت مبكر في الانتفاضة الفلسطينية الأولى، والتي يطلق عليها انتفاضة الحجارة أو انتفاضة المساجد، وبقيت المدينة تحت الاحتلال الإسرائيلي تقارعه بكل ألوان المقاومة حتى عام 1994، حيث تولت السلطة الفلسطينية إدارة المدينة تطبيقًا لاتفاق أوسلو سنة 1993.

ورغم وجود السلطة إلا أن خان يونس ظلت فعليًّا تحت الاحتلال الإسرائيلي حتى عام 2005، حين انسحبت إسرائيل أحاديًّا من خان يونس، تحت ضربات المقاومة، وأبقت على حصارها برًا وبحرًا وجوًّا.

واستولت سلطات الاحتلال على جزء كبير من أراضي المدينة لبناء المستوطنات عليها، وشكل مجمع مستعمرات غوش قطيف الذي يمتد بطول الساحل ابتداءً من حدود دير البلح إلى الحدود الدولية في رفح أكبر تجمع استيطاني في قطاع غزة.

وكانت هذه المستوطنات تستولي على معظم أراضي خان يونس الغربية، كما كانت تفصل المدينة والمخيم عن شاطئ البحر، بالإضافة إلى وجود عدة مستعمرات أخرى أخرى مثل “نيتسر حزاني” و”جاني طال” و”جان أور” و”جديد” و”نفيه ديكاليم”. وقد تحررت من الاحتلال تحت ضربات المقاومة في شهر سبتمبر عام 2005.

وفي انتفاضة الأقصى وما تلاها من حروب صهيونية على قطاع غزة، تعرضت المدينة، شرقها وغربها، لأكبر الهجمات الإسرائيلية الشرسة، فدمرت مئات البيوت في حي القطاطوة وفي خزاعة وعبسان وبني سهيلا والقرارة، وحي الأمل والمخيم، وتعرضت المدينة لعديد محاولات الاقتحام، لكن قوة المقاومة كانت تردهم دائماً، ولم يفلح أي عدوان في كسر إرادة أهلها.

ووسط الحصار الصهيوني على قطاع غزة، لا تزال مدينة خان يونس تعاني من مشاكل عدة أهمها: عدم توفر شبكات جيدة للبنية التحتية وخصوصاً شبكة المياة وتصريف الأمطار والصرف الصحي، ومعاناة المواطنون في هذا المضمار لا تزال تراوح مكانها وتشكل مشكلة بيئية خطيرة.

ويعاني سكان خان يونس من تلوث مياه الشرب حيث تزيد مادتي النترات والكلورايد في مياه الآبار، وقد توقفت إلى حد كبير المشاريع والإسكان في المدينة بسبب الحصار الإسرائيلي ومنع إدخال مواد البناء وإعاقة عملية التواصل الإنساني وكافة أشكال الحياة.

وتعاني المدينة كذلك من نقص واضح في الخدمات والمرافق العامة والمتنزهات والمناطق الخضراء، حتى أن المتوفر منها يحتاج إلى تطوير وتأهيل، بالإضافة إلى مشكلة متزايدة في شبكات الطرق، حيث لا تزال العديد من الشوارع غير معبدة، وغير مفتوحة، وغير مؤهلة، ناهيك عن عدم وجود خطة مرورية واضحة.

تقف المدينة اليوم على مفترق طرق، وهي تواجه بأسلحة خفيفة وبسيطة، ترسانة العدو الإجرامية المدعومة أمريكيًّا، ويصرّ أهلها على البقاء والحياة والصمود برغم العدوان، ويؤكدون أن تاريخ المدينة المقاوم لن يسمح لأحد أن يستبيحها، وستكون مقبرة لغزاتها، ولن تُرفع فيها الراية البيضاء.

 

المحتوى ذو الصلة