دور بولندا في استعمار فلسطين

أعلن الرئيس البولندي أندريه دودا، بمناسبة الذكرى الثمانين لانتفاضة غيتو وارسو الأسبوع الماضي، التالي: “يجب ألا ننسى أبداً شجاعة يهود بولندا من غيتو وارسو والبولنديين الذين قاتلوا على الجانب الآخر منه”، وأضاف: “أولئك الذين قاتلوا في الانتفاضة هم أبطالنا المشتركون.. الذين قاتلوا نيابة عن بولندا الحرة”.

تحدى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ الرواية البولندية الرسمية عن سنوات الحرب العالمية الثانية، وفي إشارة إلى تواطؤ البولنديين الكاثوليك المعادين للسامية مع النازيين في قتل اليهود البولنديين، وما وصفه النقاد الإسرائيليون بـ”تمجيد البولنديين الذين تورطوا حتى أعناقهم في قتل اليهود”، صرح هرتسوغ بأن “الخلافات في الرأي بين إسرائيل وبولندا فيما يتعلق بإحياء ذكرى المحرقة تتواصل”، وأضاف: “لقد كان الشر التام هم النازيين والمتواطئين معهم؛ والخير التام على شاكلة ضحاياهم والمتمردين عليهم من كل الشعوب”.

يتجاهل هذا الخلاف المستمر بين الطرفين عن الدور البارز الذي لعبته بولندا في سرقة وطن الشعب الفلسطيني وإقامة إسرائيل، ولا أحد يذكر في هذا النقاش التعاون طويل الأمد بين النظام البولندي المعادي للسامية بعد عام 1935 ومختلف فروع الحركة الصهيونية، وهي العلاقة التي أدت أيضاً إلى قيام بولندا بالتصويت لصالح قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين في عام 1947.

فعندما نالت بولندا استقلالها في عام 1918، كان نحو ثلث سكانها من الأقليات العرقية والدينية. ووفقاً للمعايير اللغوية، فقد أحصى تعداد عام 1931 أن 68.9 في المئة من السكان بولنديون (بما في ذلك اليهود الناطقون بالبولندية)، و13.9 في المئة من الأوكرانيين (حوالي خمسة ملايين شخص)، و8.7 في المئة من اليهود الناطقين باليديشية (حوالي ثلاثة ملايين شخص)، و3.1 في المئة من البيلاروسيين، و2.3 في المئة من الألمان. وقد كانت بعض هذه المجموعات تشكل أغلبية في مناطقها.

وكانت القوى الغربية، نتيجة قلقها حيال شوفينية القومية الكاثوليكية البولندية، قد فرضت عدة فقرات على الدستور البولندي لحماية اليهود والأقليات، كما أجبرت بولندا على التوقيع على معاهدة حماية الأقليات في عام 1919، تحت إشراف عصبة الأمم. ولم يدعم كثيرون الاستقلال البولندي. فعلى سبيل المثال، وصف الخبير الاقتصادي الشهير جون ماينارد كينز بولندا المستقلة بأنها “مستحيلة من الناحية الاقتصادية، فصناعتها الوحيدة هي كراهية اليهود”.

وفي السنوات القليلة التالية، حكمت بولندا أحزاب يمينية شوفينية ومعادية للأقليات، بمن فيهم اليهود البولنديون. وفي سياق وضع اقتصادي مزرٍ، أطاح المارشال القومي جوزيف بيلسودسكي بالنظام في عام 1926، إلا أنه تحالف مع نفس القادة اليمينيين الذين أطاح بهم، ولكنه تميز عنهم بشيء واحد فقط هو رفضه لمعاداة السامية.

كان الحزب اليهودي الاشتراكي البولندي الضخم المناهض للصهيونية “البوند” قد أصر على أن اليهود مواطنون بولنديون، وأنهم “أوروبيون وليسوا من شعوب الشرق الأوسط، وأن علاقاتهم كانت مع البلدان التي يعيشون فيها وليس بالأرض التي عاش بعض أسلافهم فيها ذات مرة”. وفي سياق اشتداد المقاومة الفلسطينية للاستعمار الصهيوني في أواخر عشرينيات القرن الماضي، ألقى حزب البوند باللوم على الصهاينة “الذين اقتحموا أرضاً من أجل انتزاعها من سكانها”.

وفي كانون الثاني/ يناير 1934، وقع بيلسودسكي اتفاقية عدم اعتداء مع ألمانيا النازية، مما أثار حفيظة الاتحاد السوفييتي. وقد أثارت الشكاوى العديدة المقدمة إلى عصبة الأمم حول معاملة بولندا لأقلياتها حنق وزير خارجية بيلسودسكي المعادي للسامية جوزيف بيك، حيث أعلن، متسلحاً بالانفراج مع ألمانيا النازية، في اجتماع لعصبة الأمم في أيلول/ سبتمبر 1934 أن بولندا قد ألغت معاهدة حماية الأقليات من جانب واحد. وكان بيلسودسكي قد توفي بعد ذلك ببضعة أشهر في أيار/ مايو 1935.

وقد شنّ النظام اليميني الجديد هجوماً على جميع القوى الاشتراكية في البلاد، بما في ذلك حزب البوند، كما تخلى عن رفض بيلسودسكي لمعاداة السامية وقام بتشجيع الحركات المعادية للسامية (وكان ذلك بالتزامن مع إصدار النازيين لقوانين نورمبرغ العنصرية). ومحاكاة للسياسات النازية التي قامت على تحفيز اليهود الألمان أو إجبارهم على الهجرة حتى عام 1938، سرعان ما تبنى البولنديون سياسة مماثلة. كان عدد السكان اليهود في البلاد في تلك الفترة يزيد عن 3.5 ملايين نسمة، بينهم أقل من نصف مليون يهودي من الناطقين بالبولندية، أي نحو 11 في المئة من سكان بولندا. وقد شكل اليهود ما بين 30 و40 في المئة من سكان وارسو وشكلوا أقليات كبيرة في معظم المدن الأخرى.

أثرت الأزمة الاقتصادية على المدن أكثر من الريف، مما أدى إلى إفقار نسبة أكبر من اليهود، الذين تحمّلوا، مع اشتداد التمييز المؤسسي ضدهم، عبئاً ضريبياً أكبر. وقد ازدادت الاعتداءات الجسدية على اليهود من قبل العصابات المعادية للسامية في عام 1936.

وقد دعت الحكومة البولندية بالتحالف مع الصهاينة إلى هجرة اليهود إلى فلسطين كحل لـ”المشكلة اليهودية”، كما فعلت الجماعات البولندية المتطرفة المعادية للسامية، لا سيما حزبا “نارا” و”الديمقراطيون الوطنيون” (المعروف بـ”إندكس”). وردا على هذا التحالف أعلن أحد زعماء حزب “البوند” بأن ديفيد بن غوريون، الزعيم اليهودي البولندي للحركة الصهيونية العمالية العالمية، وفلاديمير جابوتنسكي، الزعيم اليهودي الأوكراني للحركة الصهيونية التصحيحية، وإيزاك غرونباوم، الزعيم اليهودي البولندي للحركة الصهيونية العامة الليبرالية، “قد توافقوا مع أعداء اليهود” في دعوتهم اليهود للهجرة.

وكان جابوتنسكي قد بدأ اتصالاته مع نظام ما بعد بيلسودسكي، الذي كان بدوره حريصاً على ترحيل اليهود والضغط على بريطانيا لفتح فلسطين بالكامل أمام الاستعمار اليهودي الأوروبي. وقد حاول الصهاينة التصحيحيون في عام 1936 دعوة عصبة الأمم إلى عقد مؤتمر حول استعمار اليهود لفلسطين، تحت رعاية بولندا. وفي كانون الثاني/ يناير 1938 اقترحت حكومة بولندا عقد المؤتمر إضافة إلى “مساعدة اليهود على الهجرة من تلك البلدان حيث كانوا، نتيجة أعدادهم الكبيرة، عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد القومي، ومساعدتهم على إقامة دولة يهودية إما في فلسطين أو في منطقة أخرى”.

أشاد الصهاينة التصحيحيون بالاقتراح البولندي، بينما كانت المنظمة الصهيونية (والتي أعيد تسميتها فيما بعد بالمنظمة الصهيونية العالمية) قلقة من أن صياغة المشكلة على أنها مشكلة اكتظاظ سكاني يمكن أن تؤدي بالمؤتمر إلى التوصية بإعادة توطين اليهود في أي منطقة ذات كثافة سكانية منخفضة في العالم، وليس في فلسطين حصرياً. وقد تزامن ذلك مع الثورة الفلسطينية الكبرى المناهضة للاستعمار في 1936-1939، والتي أدت إلى انخفاض كبير في عدد المهاجرين اليهود. وحيث أن العديد من المنظمات اليهودية في تلك الفترة كانت تستكشف إمكانية الاستيطان الاستعماري اليهودي الأوروبي في البيرو ومدغشقر وأنغولا ومنطقة كيمبرلي الأسترالية، فقد أثارت هذه المشاريع قلق المنظمة الصهيونية بشكل كبير.

التقى حاييم وايزمان، زعيم المنظمة الصهيونية في لندن، بوزير الخارجية البولندي بيك في أيلول/ سبتمبر 1937، وقد أكد له الأخير دعم بولندا للصهيونية. وبينما كان بيك قد صرّح في حزيران/ يونيو 1937 بأن فلسطين ليست بالضرورة الوجهة الرئيسة لليهود بسبب عدم قدرتها على استيعابهم جميعاً، فقد أصر في اجتماع عصبة الأمم في أيلول/ سبتمبر 1937 على أن فلسطين يجب أن تتمتع “بأقصى قدرة استيعاب” للمستعمرين اليهود (وقد كانت بولندا قلقة حينها من أن تقرير لجنة بيل البريطانية عام 1937، الذي أوصى بالتقسيم وبإنشاء دولة يهودية، لم يخصص مساحة كبيرة بما يكفي في فلسطين لجميع يهود بولندا).

وبحلول شهر أيار/ مايو 1938، أفاد الصهاينة التصحيحيون بأنهم قد أقنعوا البولنديين بأن فلسطين يجب أن تكون الوجهة الوحيدة لليهود المهاجرين. وسرعان ما وافق حزب المعسكر البولندي المعادي للسامية التابع لحكومة الوحدة الوطنية، والذي حرّض على الهجمات على اليهود، وأعلن أنه نظراً لأن “اليهود البولنديين يشكلون عائقاً أمام التطلعات القومية البولندية”، فإن الحزب يدعم قيام دولة يهودية في فلسطين وأن الأخيرة “يجب الاعتراف بها” باعتبارها الوجهة الرئيسة للهجرة اليهودية.

وقد ابتعث جابوتينسكي روبرت بريسكو، اليهودي الأيرلندي الصهيوني، ليقترح على بيك بأن “يطلب من بريطانيا تسليم صك انتداب فلسطين لبولندا وتحويلها بالفعل إلى مستعمرة بولندية، حيث يمكنكم بعد ذلك نقل كل يهودكم البولنديين غير المرغوب فيهم إلى فلسطين. وهذا من شأنه أن يجلب ارتياحاً كبيراً لبلدكم، وستكون لديكم مستعمرة ثرية ومتنامية لمساعدة اقتصادكم”. وقد رد بيك بأن اليهود البولنديين لن يغادروا البلاد طواعية وأنهم إن فعلوا ذلك فجأة، فسوف يدمر ذلك الاقتصاد البولندي. لكن بريسكو لم يرتدع. وفي غضون ذلك، كان الجيش البولندي قد وافق على تدريب الصهاينة التصحيحيين المعادين لبريطانيا لتنفيذ خطتهم التي رسموها في عام 1937 لغزو فلسطين، والمقرر تنفيذها في عام 1940. وقد أدى تحالف الصهاينة البولنديين مع المعادين للسامية البولنديين إلى إضعاف مصداقيتهم تماماً بين البولنديين اليهود.

منذ عام 1937، كانت بولندا قد بدأت بحث عصبة الأمم على تقسيم فلسطين ومنح الحد الأقصى من أراضيها للمستعمرين اليهود. وبالفعل، فإن وزارة الخارجية البولندية “كانت مشغولة بتعداد عدد اليهود الذين يمكن أن يتجمعوا في المنطقة اليهودية” من فلسطين المقسّمة لدرجة أن بولندا قد “أعلنت عن استعدادها لتولي سلطة الانتداب على فلسطين” كما اقترح جابوتنسكي. وبحلول أوائل عام 1938، طلب ممثل الحكومة البولندية توسيع منطقة الاستيطان اليهودي لتشمل شرق الأردن.

في أعقاب المذبحة النازية بحق اليهود المعروفة في “ليلة تحطيم الزجاج”، صرح ممثل بولندا لدى عصبة الأمم، تيتوس كومارنيكي، أن حكومته على وشك أن تحذو حذو ألمانيا وستضطر إلى “اتخاذ إجراءات قانونية” لتحقيق الهجرة اليهودية. وقد اتصلت الحكومة البولندية باثنين من اليهود الصهاينة البولنديين البارزين لإنشاء “لجنة شؤون الاستعمار اليهودي”، للضغط على بريطانيا للسماح لليهود البولنديين بالاستيطان في فلسطين.

رغم ذلك، فقد أيد غالبية اليهود البولنديين حزب البوند المعادي للصهيونية في الانتخابات بين عامي 1936 و1939، مما جعله أكبر حزب يهودي منتخب في جميع المدن الرئيسة، بما فيها مدينة وارسو. وفي عام 1939، هزم حزب البوند الصهاينة وفاز بنسبة 70 في المئة من الأصوات في المناطق اليهودية. وفي وارسو فاز حزب البوند بـ17 مقعداً من أصل 20 مقعداً. وقد فاز الصهاينة بمقعد واحد لا غير.

وقبل بضعة أشهر من الاجتياح النازي لبولندا في أيلول/ سبتمبر 1939، تفاوض مناحيم بيغن مع الكابتين رونج، رئيس شرطة الأمن في وارسو، حول إنشاء وحدات يهودية منفصلة تابعة للجيش البولندي، لكن بقيادة ضباط كاثوليك. وقد كان بيغن ورفاقه التصحيحيون يأملون أن يكون هذا التدريب وتجربة الحرب القادمة ذات فائدة كبيرة عندما يقومون بغزو فلسطين في وقت لاحق للإطاحة بالبريطانيين، لكن الخطة فشلت بسبب معارضة حزب البوند الشديدة للفصل العنصري.

بحلول تموز/ يوليو 1941، اتفق السوفييت والحكومة البولندية في المنفى على السماح لمليون لاجئ بولندي داخل الاتحاد السوفييتي (وكان 400 ألف منهم من اليهود) بتجنيد جيش بولندي تحت إمرة الجيش الأحمر، وقد تم إنشاء مركز تجنيد برئاسة الجنرال البولندي فلاديسلاف آندرز. وكان اليهود يشكلون 40 إلى 60 في المئة من جميع المتطوعين، مما هيّج قلق الضباط البولنديين المعادين للسامية، بمن فيهم الجنرال آندرز.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 1941، تمت إعادة إحياء اقتراح بيغن قبل الحرب بخصوص إنشاء وحدات يهودية منفصلة، وتم إنشاء “الفيلق اليهودي” بقيادة الكولونيل البولندي يان غالاديك. وعندما تم إجلاء الجيش البولندي إلى إيران في آب/ أغسطس 1942، كان يضم 6000 بولندي يهودي من جنود ومدنيين، وكان مناحيم بيغن بينهم.

وقد انتقل الجيش البولندي، الذي اندمج في حينه مع الجيش الثامن البريطاني، إلى بغداد ثم إلى القدس، قبل أن يعود إلى أوروبا. وخلال فترة إقامتهم في فلسطين المحتلة بريطانياً في عام 1943، فرّ 3000-4000 جندي يهودي من الجيش البولندي وانضموا إلى المستعمرين الصهاينة. وفي أيار/ مايو 1943، بينما كان الجيش البولندي لا يزال في فلسطين، كشفت صحافة المستوطنين الصهاينة عن أمرٍ سري كان قد أصدره الجنرال آندرز في تشرين الثاني/ نوفمبر 1941 لطمأنة ضباطه المعادين للسامية بخصوص عدد اليهود الكبير في الجيش، أعلن فيه ما يلي: “سنتعامل مع المشكلة اليهودية وفقاً لحجم وطننا واستقلاله”، وهو ما فُهم على أنه خطة لطرد اليهود من بولندا بعد التحرير من النازيين.

وعندما واجهه ممثل اليهود البولنديين، ادعى آندرز أنه لم يصدر هذا الأمر السري، وبأنه أمر مزور. وقد أبلغ آندرز المستوطنين الصهاينة بأنه قد قرر عدم محاكمة اليهود الفارين من الخدمة العسكرية كبادرة حسن نية. وقد فهمت المنظمة الصهيونية الصفقة وتعاونت مع البولنديين للتستر على هذه القضية المعادية للسامية. أما الزعيم الصهيوني الذي وافق على التستر فكان البولندي غرونباوم، الذي كان قد أصبح في تلك الأثناء عضواً في الوكالة اليهودية التنفيذية التي كانت تدير شؤون المستعمرين اليهود في فلسطين. أما العقيد غلاديك، فقد شرع في تدريب إرهابيي عصابة الإرغون التابعة للصهاينة التصحيحيين في فلسطين عام 1943.

وبعد أن قام السوفييت بتحرير معسكرات الاعتقال النازية في نهاية الحرب العالمية الثانية، قرر الناجون اليهود من مدينة كيلسيه البولندية العودة إلى ديارهم. وفي تموز/ يوليو 1946، قام جنود ورجال شرطة ومدنيون بولنديون قوميون بمهاجمتهم وقتلوا 42 من هؤلاء الناجين من المحرقة وجرحوا 40 آخرين، واستمرت المجزرة إلى حين تدخل الجيش الأحمر الذي أوقفها. وفيما بين شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 1944 ونهاية عام 1945، كان قد تم قتل 351 يهودياً بولندياً على يد الكاثوليك البولنديين المعادين للسامية. لكن بعد مجزرة كيلسيه، قام معظم اليهود البولنديين، الذين كانوا قد عادوا إلى ديارهم بعد الحرب، بالفرار من البلاد.

وبدلاً من طمأنة اليهود البولنديين الذين نجوا من المحرقة والترحيب بعودتهم إلى ديارهم، وبأن الحكومة البولندية الجديدة، بخلاف القوميين اليمينيين، ستضمن سلامتهم، تحدث سفير نظام بولندا لدى الأمم المتحدة بعد عام 1947، أوسكار لانغ، الموالي للاتحاد السوفييتي، عن ضرورة دعم السعي الصهيوني لإقامة الدولة اليهودية التي ستحول دون عودة اليهود إلى بولندا.

وقد أعلن لانغ، المولود لمستوطنين ألمان بروتستانت كانوا قد استوطنوا بولندا، ما يلي: “نحن مهتمون بمصير الشعب اليهودي، الذي عاش ثلاثة ملايين ونصف من أفراده في بلدنا وكانوا مواطنين في جمهوريتنا”، مشيراً إلى أن “جزءاً كبيراً من اليهود في جميع أنحاء العالم أصولهم من بولندا”. وأضاف لانغ: “لقد تابعنا بكل فخر العمل البناء العظيم للجالية اليهودية في فلسطين، لأننا نعلم أن جزءاً كبيراً من هذا المجتمع يتكون من اليهود الذين قدموا من بولندا وكانوا في السابق مواطنين في الجمهورية البولندية”.

وقد كانت بولندا من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل، وكان دورها في استعمار فلسطين ودعم الصهاينة، شأنه شأن دور بريطانيا وألمانيا، مهماً للغاية. ومثلما لم يتوان الصهاينة في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي عن التحالف مع القادة البولنديين المعادين للسامية، فإن إسرائيل ومسؤوليها اليوم يواصلون القيام بذلك، وإن كانوا يتقدمون في بعض الأحيان بشكاوى ناعمة ذات صياغة دبلوماسية.

أما بالنسبة للفلسطينيين، فمن الأهمية بمكان الكشف عن تاريخ بولندا المعادي للسامية الذي استهدف مواطنيها اليهود، وعن دورها الاستعماري الذي استهدف الشعب الفلسطيني بوصفهما وجهين لذات الجريمة.

 

المحتوى ذو الصلة