عملية النصيرات.. دلائل وبراهين على الفشل رغم النجاح التكتيكي

[[{“value”:”

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

بعد 9 أشهر من حرب الإبادة الجماعية التي لم يشهد التاريخ المعاصر مثلها، تمكنت وحدات من النخبة التابعة للاحتلال الإسرائيلي من تحرير 4 رهائن، بعد مجازر دموية بشعة، أسفرت عن استشهاد 210 من الأطفال والنساء.

مراسل المركز الفلسطيني للإعلام أكد أنه وفي الساعة 11 ظهر اليوم السبت، كان مخيم النصيرات على موعدٍ مع واحدة من أبشع جرائم الإرهاب الصهيوني، حيث غارات مفاجئة ومكثفة استهدفت مباني ومنازل وسيارات أسفرت عن 600 شهيد وجريح.

وأوضح أن أصوات الانفجارات وإطلاق النار كان يهز المحافظة الوسطى، قبل أن تتكشف أمور العملية الخاصة لتحرير الرهائن الأربعة، بعد حملة إبادة في مشهد يدمي القلوب، ويطبع عاراً جديداً على جبين الإنسانية جمعاء.

وأثناء العملية، تعرضت مناطق أخرى في وسط القطاع لعمليات قصف، منها 4 منازل في دير البلح، ومحيط مستشفى شهداء الأقصى الوحيد في المحافظة.

المكتب الإعلامي الحكومي وصف الهجوم بالوحشي، وأكد أنه استهدف المدنيين بشكل مباشر، وأن كثافة القصف أعاقت وصول سيارات الإسعاف والدفاع المدني.

ونبّه مراسل المركز الفلسطيني للإعلام إلى أن الاحتلال استخدم عشرات الطائرات الحربية، وطائرات “كواد كابتر” والمروحيات، تزامناً مع قصف بري وبحري.

مصادر أمنية فلسطينية أوضحت أن قوة خاصة إسرائيلية خاصة تسللت إلى مخيم النصيرات وسط تغطية جوية وبرية من الآليات العسكرية الإسرائيلية، حيث قامت تلك القوة بمحاصرة منزل واشتبكت مع عدد من المسلحين الفلسطينيين المتواجدين في ذلك المنزل.

وانتشرت مقاطع مصوّرة تظهر استخدام قوات الاحتلال، شاحنة مساعدات وسيارة مدنية لتنفيذ العملية، ونقل موقع “أكسيوس” أنّ “خلية المختطفين الأمريكية في إسرائيل” ساعدت في العملية.

تغريدة أبو عبيدة

قال أبو عبيدة، المتحدث باسم كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، إنّ “ما نفذه الاحتلال في منطقة النصيرات وسط القطاع جريمة حرب مركبة وأول من تضرر بها هم أسراه”.

وأكّد في تغريدة مساء اليوم السبت، أنّ “جيش الاحتلال تمكن عبر ارتكاب مجازر مروعة من استعادة بعض أسراه، لكنّه في نفس الوقت قتل بعضهم أثناء العملية”.

وحذّر من أنّ “العملية ستشكل خطراً كبيراً على أسرى الاحتلال، وسيكون لها أثر سلبي على ظروفهم وحياتهم”.

تفاصيل العملية

وفي تفاصيل العملية التي بدأت تتكشف وفقا لمواقع إسرائيلية فقد تسللت قوات الاحتلال إلى مخيم النصيرات بشاحنات المساعدات الإنسانية لتدخل المنطقة دون لفت نظر المقاومة.

ونقلت قناة كان الإسرائيلية أن مقاومين فلسطينيين لاحقوا السيارة التي أجلت الأسرى وأطلقوا النار عليها وأصابوها بأضرار، ولم يتمكن جيش الاحتلال من إدخال مروحية قرب مكان إجلاء الأسرى واستعان بتعزيزات إضافية.

مشاركة أمريكية

وبدأ يتكشف حصول إسرائيل على دعم خارجي من العديد من الوكالات الاستخباراتية الدولية، وذكر موقع “ديكلاسيفايد” البريطاني المختص بالسياسة والاستخبارات أن الجيش البريطاني نفذ، منذ ديسمبر/ كانون الأول حتى مايو/ أيار الماضي، 200 مهمة تجسس جوية فوق قطاع غزة دعما لإسرائيل.

كما أنه يأتي بعد استخدام إسرائيل قوتها القصوى تكنولوجياً ونارياً في سبيل القضاء على المقاومة وإضعاف قدراتها.

كما كشف عن مشاركة أمريكية فيما جرى في النصيرات، وذكرت مواقع إسرائيلية أن مسؤولاً أميركياً وصل أمس تل أبيب لمتابعة العملية، مما يدلّل على أنّ واشنطن كان لها دور أساسي في توفير المعلومات الاستخباراتية ومشاركة جيش الاحتلال في هذه العملية، وكان المسؤول ينتظر في الرصيف المائي التي تم إنشاؤه لحظة تنفيذ العملية.

الأمر الذي أكده موقع “أكسيوس” الأمريكي نقلاً عن مسؤول في الإدارة الأمريكية أن خلية المختطفين الأمريكية في إسرائيل، ساعدت في استعادة الأسرى.

من جهتها، أكّدت حركة حماس أنّ المشاركة الأمريكية في العملية الإجرامية تثبت تواطؤ واشنطن في جرائم الحرب في غزة.

وأضافت حماس، في بيان لها، أنّ ما أعلنه جيش الاحتلال الإسرائيلي عن إطلاق عدد من أسراه بعد أكثر من 8 أشهر من العدوان على غزة “لن يغير فشله الإستراتيجي”.

لن يغير مسار الحرب

ويقدر خبراء أن ما جرى في النصيرات لن يغير في مسار الحرب، إذ لم تسفر عملية استعادة أسيرين سابقاً، والعثور على جثامين بعض الأسرى الذين قتلوا بالقصف الإسرائيلي عن تغير كبير في مسار الحرب الجارية في القطاع.

واستمرت المقاومة باستنزاف قوات الاحتلال وإيقاع خسائر كبيرة فيها، فقد توغل الاحتلال في العديد من مناطق القطاع ولكنه انسحب ولم يقدر على ترجمة ذلك وتحرير أي من أسراه.

ويظهر مسار الحرب القائمة على القطاع أن جيش الاحتلال يعاني من خسائر كبرى، فوفقا للقناة الـ 12 الإسرائيلية، فقد بدأت وحدات احتياط بالجيش البحث عن متطوعين للقتال بغزة عبر إعلانات على تطبيق “واتساب”.

وأضافت القناة الإسرائيلية أنّ إعلانات البحث عن متطوعين للجيش تأتي في ظل نقص حاد بالجنود في وحدات الاحتياط. وأكدت أنّ جنوداً في وحدات الاحتياط بغزة والشمال عبّروا عن صعوبة الحفاظ على قوتهم طيلة هذا الوقت.

ونقلت القناة عن جندي احتياط قوله “هناك حالة استنزاف كبيرة في صفوف الجنود، وضغوط كبيرة من العائلات وأماكن العمل”.

وبالعودة للعملية في النصيرات، فقد جرت عملية مماثلة لها في فبراير الماضي، حيث تمكن الاحتلال من استعادة أسيرين في رفح جنوب القطاع، بعملية عسكرية ليلية تزامنت مع قصف عنيف على المدينة، أسفرت عن استشهاد 63 مواطناً، جلهم من الأطفال والنساء، بمشاركة من الجيش والشرطة والشاباك.

قد يمنح ما جرى في النصيرات نتنياهو وحلفاءه فرضة لالتقاط الأنفاس وتقديم ما جرى على أنه إنجاز يحسب لهم، وقد يدفع نتنياهو والولايات المتحدة إلى التشدد في مفاوضات وقف الحرب ومحاولة الضغط على المقاومة لتقديم تنازلات والموافقة على ما يعرض على الطاولة، وفق قول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بليكن.

لكن متابعة مسار التفاوض وموقف المقاومة يدلل على أن ما يجرى لن يؤثر على موقفها ولن يدفعها لتقديم تنازلات لا تتناسب مع إنجازها على الأرض وحجم ما قدمه أهالي القطاع من تضحيات وصمود ساعد المقاومة في موقفها، وفق الجزيرة.

إضافة إلى ذلك، فقد لا تقبل المقاومة لاحقاً بأن تكون الولايات المتحدة وسيطاً، وتتعامل معها على أنها طرف في الحرب. وفي حال تمّ إدخال وسطاء جدد، فإن هذا سيعطي قوة للمقاومة في المفاوضات.

وكانت المقاومة قد أعلنت سابقاً على لسان الناطق العسكري باسم القسام أن “الثمن الذي سنأخذه مقابل 5 أسرى أحياء أو 10 هو نفس الثمن الذي كنا سنأخذه مقابل جميع الأسرى لو لم تقتلهم عمليات قصف العدو”.

كما أنّ المقاومة تمكنت الشهر الماضي من أسر عدد من جنود الاحتلال في جباليا، وما زالت تحتفظ بعشرات الأسرى، ويظهر أنّ المقاومة أعدت نفسها لمعركة طويلة ومعقدة، كما يقول خبراء عسكريون، وبيانات المقاومة نفسها.

ومهما يكن من أمر، يبقى الهدف المعلن للاحتلال منذ بدء حربه على قطاع غزة هو إنهاء وجود حركة حماس، واستعادة الأسرى، والقضاء على المقاومة ومقدراتها، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.

إنجاز تكتيكي

من جانبه، وصف الخبير العسكري والإستراتيجي حاتم كريم الفلاحي تخليص الاحتلال الإسرائيلي 4 محتجزين في منطقة النصيرات وسط قطاع غزة بأنه “إنجاز تكتيكي”، وحذر فصائل المقاومة من أنّ الجيش الإسرائيلي سيقدم على عمليات مماثلة.

وقال العقيد الفلاحي، في تحليل للمشهد العسكري في غزة، إنّ الجيش الإسرائيلي نجح في تخليص 4 محتجزين من مجموع 130 أو أكثر، مما يعني أنه مجرد “إنجاز تكتيكي”، مشيرا ًإلى أنّ إسرائيل سبق لها وأن أخفقت في الوصول إلى المحتجزين وهناك من تم قتلهم من قِبَل جيشها.

وحذر العقيد الفلاحي من أنّ العملية العسكرية الإسرائيلية في منطقة النصيرات قد تدفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الذهاب في خيار الضغط العسكري من أجل الوصول إلى بقية المحتجزين.

ورجح أن تكون عملية تحرير 4 محتجزين بداية لعمليات عسكرية أخرى في المنطقة، وعلى فصائل المقاومة الفلسطينية أن تأخذ ذلك في حساباتها.

وقال إن المفرج عنهم من المحتجزين سيخضعون لعملية تحقيق دقيقة جداً في سبيل معرفة الكثير من التفاصيل التي يمكن أن تساعد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على الوصول لبقية المحتجزين.

لا أهمية استراتيجية

الخبير العسكري محمد الصمادي من جانبه، قلل من أهمية العملية الإسرائيلية في النصيرات على المستوى الاستراتيجي، عاداً إياها نجاحاً تكتيكياً لا غير.

وتابع الصمادي في حديث “ما تم من الناحية العسكرية هو عملية تحرير للأسرى، ولكنها كانت مُصاحبة بعملية وحشية وطغيان وجبروت وظُلم وعربدة وحرب إبادة وارتكاب كافة أنواع الموبقات ضد المدنيين الأبرياء في منطقة النصيرات”.

وقال في حديث صحفي، إن “عملية تحرير الأسرى نعم ستكون داعمة لموقف نتنياهو في الحرب داخلياً وخارجياً، ولكننا نتحدث عمّا يزيد عن 8 أشهر من القتال ومع ذلك فشل جيش الاحتلال عسكرياً وإعلامياً وأخلاقياً في هذه الحرب”.

ولذلك يرى الخبير العسكري أن “جيش الاحتلال وحكومة اليمين المتطرف يبحثون عن أي صورة من صور النجاح حتى تُعزز موقفهم، فعلى الرغم من هذه الترسانة العسكرية الهائلة والجيش الذي يُصنف بأنه الـ 14 عالمياً، إلا أن الاحتلال لم يستطع تحقيق أيّ من أهداف الحرب المُعلنة”.

واستدرك الصمادي بالقول: “نعم أحرز جيش الاحتلال العديد من النجاحات على المستوى التكتيكي، علماً بأنّ مقارنة القوى هي بالمطلق لصالح جيش الاحتلال، ولكنَ إرادة الصمود وعقيدة القتال وإصرار هذا المقاتل الفلسطيني البطل على الاستمرار في أعمال المقاومة هو لصالح المقاومة، وهذا ما ساهم في موازنة الخلل في ميزان القوى، ولهذا باعتقادي، لا ترقى هذه النجاحات لأن تصل إلى المستوى الاستراتيجي”.

وأوضح أن “قيام الاحتلال بعملية التحرير هذه شيء طبيعي ضمن آلة القتال والقدرات العسكرية الموجودة لديه، لكن هذا العمل وفقاً للعُرف العسكري لا يُصنف كعمل بطولي، خاصة أنه جاء بعد ما يزيد عن 8 أشهر من العمليات العسكرية المتواصلة، ولذلك، هذه العملية لا تُصنف ولا تندرج ضمن الإنجازات على المستوى الاستراتيجي”.

وحول كيفية دعم هذه العملية لموقف نتنياهو المتمثل برغبته باستمرار العمل العسكري، قال الصمادي، “أولاً على المستوى الداخلي ستقوي موقفه وتدعمه”.

واستدرك بالقول: “لكن بالنسبة لعائلات الأسرى، لن تُحدث هذه العملية تغييراً كبيراً، فهذا النوع من العمليات يحتوي على مُعامل خطورة عال جداً متمثل باحتمالية قتل الأسرى أثناء عملية التحرير في العمليات المستقبلية، وفي المقابل، أهالي الأسرى يرغبون بصفقة سلمية للتبادل”.

وتابع: “وأمّا خارجياً، فإنّ الولايات المتحدة ونتنياهو وحكومة اليمين المتطرف يحاولون الآن أن لا يتم التوصل لهدنة أو اتفاق لتبادل الأسرى، حيث إنّ الحرب الآن انتقلت من استنزاف المقاومة لجيش الاحتلال إلى محاولة الأخير استنزاف قدرات المقاومة”.

ولفت إلى أن “هذا الأمر هو ما تراهن عليه قوات جيش الاحتلال، أي أن يكون هناك استمرار للعمليات خاصة بعد السيطرة على محور فيلادلفيا بالكامل، وبالتالي أصبح الآن قطاع غزة مُطوّقاً تطويقاً كاملاً، بعد حصاره لمدة 18 عاماً”.

وأضاف: “لهذا، جيش الاحتلال ونتنياهو يراهنون الآن على تخفيض القدرات القتالية للمقاومة واستنزاف قدراتها، ويحاولون أن يطيلوا أمد القتال حتى تستهلك المقاومة قدراتها من الأسلحة المضادة للدبابات والقدرات الصاروخية الموجودة لديها”.

“}]] 

المحتوى ذو الصلة