في ذكرى “أوسلو”.. كيف استغلت إسرائيل الاتفاقية لتعزيز الاستيطان في الضفة الغربية

[[{“value”:”

الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام

على وقع حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة وحملته المسعورة على الضفة الغربية، حلّت قبل أيام الذكرى الـ 31 لاتفاقية أوسلو التي وُقعت في البيت الأبيض بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل يوم 13 سبتمبر/ أيلول من عام 1993.

وقد أُنشئت السلطة الفلسطينية ومؤسساتها نتيجة لتلك الاتفاقية، لكنّ القدس وقضية عودة اللاجئين أُجّلتا ضمن ما أطلق عليها حينذاك “قضايا الحل النهائي”، أمّا الاستيطان فلم تشترط الاتفاقية وقفه، وهو ما شجع الحكومة الإسرائيلية على دعمه وتعزيزه بكل ما تستطيع، حتى انتشر كالسرطان في جسد الضفة الغربية.

أين بند الاستيطان في الاتفاقية؟

في تصريحات صحفية سابقة، أكّد الخبير في الشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى أنّ استمرار الاستيطان بعد توقيع الاتفاق اتفاقية أوسلو سببه أنّ الاتفاقية لم تتضمّن وقف البناء الاستيطاني كشرط للتقدم في المفاوضات، وأضاف أنّ إسرائيل كانت تفاوض وتبني المستوطنات في الوقت نفسه.

واستذكر أنّ كان رابين ألقى خطاباً قبل اغتياله بأسبوع عام 1995، أشار فيه إلى محددات الاتفاق النهائي ضمن اتفاق أوسلو، وهي عدم الانسحاب إلى حدود السادس من حزيران 1967، والإبقاء على الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية، والسيطرة الإسرائيلية الكاملة على الحدود مع الأردن، وإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وأنّ القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ولم يتطرّق إلى حق العودة للاجئين الفلسطينيين.

من جهته، يرى أمين عام حركة المبادرة الفلسطينية مصطفى البرغوثي أنّ اتفاق أوسلو انتهى، وأنّ إسرائيل قتلته ودفنته، ودفنت معه كل نهج للسلام، وأنّ المراهنة عند التوقيع على الاتفاق على حل وسط مع الحركة الصهيونية عبر المفاوضات، والمراهنة على الولايات المتحدة كوسيط، ثبت فشلهما.

وأوضح في تصريح صحفي أنّ اتفاق أوسلو تضمّن 3 خطايا: توقيع اتفاق دون وقف الاستيطان، والاعتراف بإسرائيل دون اعترافها بالدولة الفلسطينية، وأنّه كان يحمل صفقة انتقالية.

وأكّد البرغوثي أنّ إسرائيل استغلت الأخطاء في اتفاقية أوسلو، وأولها الموافقة على توقيع اتفاق دون وقف الاستيطان، ونتيجة لذلك ما نراه اليوم من توسّع استيطانيّ، حيث كان يعيش في الضفة الغربية 121 ألف مستوطن لحظة توقيع الاتفاق، أمّا اليوم فهناك 750 ألف مستوطن.

إحصائيات وحقائق

المستوطنات في الضفة الغربية هي تجمّعات سكانية إسرائيلية أقيمت على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1967، بدوافع أيديولوجية دينية وعنصرية، تحت ذريعة الإعمار وإيواء المهاجرين اليهود الذين استقطبتهم إسرائيل من شتى بقاع العالم.

ووفق تقرير أصدره “المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان”، فإنّ أعداد المستوطنين في الضفة الغربية تضاعفت 7 مرات منذ توقيع اتفاقية أوسلو قبل 31 عاماً، وتسيطر المستوطنات على نحو 40% من المساحة الإجمالية للضفة.

وعقب توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993 مباشرة، وضع موشيه فيغلين، عضو اللجنة المركزية في حزب “الليكود”، مخططا سريا بالتعاون مع مجلس المستوطنات “يشع”، سماه “العملية المضاعفة”، ويهدف المخطط إلى إقامة 130 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية.

ويقوم المخطط الذي بدأ تنفيذه عام 1996 على إستراتيجية تكوين مجموعات استيطانية صغيرة في المواقع المستهدفة سمّيت “البؤر الاستيطانية غير الشرعية” للتقليل من أهميتها، لتتحول لاحقاً إلى مستوطنات، بهدف استكمال السيطرة على القمم والمرتفعات الإستراتيجية في الضفة الغربية، ومنع أي انسحاب للاحتلال منها مستقبلاً.

وعندما تسلّم نتنياهو رئاسة الحكومة عام 2009، بدأ عملية “تشريع قانوني” لهذه البؤر، لتحويلها إلى مستوطنات رسمية، وفي عام 2017 أقرّ الكنيست الإسرائيلي “قانون التسوية”، الذي يتيح الحق في استعمال أراضي الملك الخاص الفلسطينية، التي بُنيت عليها مستوطنات وبؤر استيطانية، وتم بموجبه تشريع 4 آلاف وحدة سكنية في 55 بؤرة استيطانية مبنية على أراض فلسطينية خاصة.

وبحسب معطيات “هيئة مقاومة الجدار والاستيطان” بلغ عدد المستوطنين في مستوطنات الضفة والقدس 726 ألفا و427 مستوطناً موزعين على 176 مستوطنة، و186 بؤرة استيطانية حتى بداية 2023.

ووفقاً لحركة “السلام الآن” اليسارية الإسرائيلية الرافضة للاستيطان فإن الضفة الغربية منذ تسلم حكومة نتنياهو مهامها نهاية عام 2022 تشهد أكبر عملية استيطان منذ عام 2012، إذ دفعت حكومة نتنياهو مخططات لإقامة 12 ألفا و885 وحدة استيطانية.

وبالإضافة إلى المساحات الشاسعة من الضفة الغربية التي صادرها الاحتلال لإقامة المستوطنات، فقد أقدمت الحكومة الإسرائيلية على بناء جدار الفصل العنصري عام 2002 بذريعة منع عمليات المقاومة، واستطاعت من خلاله قضم 4.1% من مساحة الضفة الغربية دفعة واحدة.

إجراءات الاحتلال لدعم الاستيطان

في ظل الإجراءات الإسرائيلية العدوانية في الضفة الغربية وغزة، يرى الكاتب المصري عبد الحليم قنديل في مقال له أنّ مفاوضات على الجبهة الفلسطينية وصلت إلى الانسداد الكامل، ولم يعد من أثر يعتد به لاتفاقات أوسلو وأخواتها.

وأوضح أنّ إسرائيل مسحت أيّ فارق ملموس بين مناطق (أ) و(ب) و(ج) في الضفة الغربية، لتصبح كلها في الحالة (ج) التي تبلغ مساحتها نحو 61% من الضفة الغربية، أي تحت الاحتلال الإسرائيلي المباشر.

وأشار قنديل إلى أنّ بناء المستوطنات عاد إلى المنطقة (ب)، ومساحتها 21% من الضفة، مع أنّها وفقاً للاتفاق تتبع إدارة مدنية فلسطينية، ووجوداً أمنياً إسرائيلياً.

وتهدف إسرائيل، وفقاً لأيوب، إلى قتل أي مشروع مقاوم، وإقامة مشروع تهجير من قبل المستوطنين، مثل ما حدث من تهجير نحو 2000 فلسطيني من مناطق الريف والتجمعات البدوية، من أقصى جنوب الضفة الغربية إلى شمالها.

من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية، حسن أيوب، أنّ عدوان الاحتلال المتواصل على الضفة الغربية يهدف إلى تدمير البنى التحتية للمقاومة. مضيفاً أنّ الهدف السياسي من وراء العملية هو الإيذان بإقامة “دولة المستوطنات” في الضفة الغربية بحكم الأمر الواقع وبحكم القانون.

ويؤكّد أيوب أنّ إسرائيل عملت منذ اتفاقية أوسلو على زيادة عدد المستوطنين من 120 ألفاً حينها حتى أصبح الآن يزيد عن 800 ألف مستوطن، بالإضافة إلى سيطرتهم على الطرق الالتفافية والحيز المكاني.

ويشير الكاتب المصري محمود سلطان إلى أنّ سياسة الحكومة في توسيع الاستيطان في الضفة الغربية استقطبت المستوطنين الجدد ومعظمهم مدفوعون بأسباب أيديولوجية، حيث يعتقدون أن الله أعطاهم الحق في الاستيطان وفقاً لتفسيرهم للتوراة.

ويضف الكاتب أنّ الحكومة الإسرائيلية وافقت مؤخراً على أكبر عملية مصادرة للأراضي في الضفة الغربية المحتلة منذ أكثر من ثلاثة عقود، تتضمّن بناء آلاف المنازل الاستيطانية الجديدة، وذلك وفقاً لمنظمة السلام الآن، بهدفِ ترسيخ سيطرة إسرائيل على المنطقة ومنعِ إنشاء دولةٍ فلسطينيةٍ مستقلة.

ويشدّد سلطان على أنّ المستوطنين لا يكتفون بمصادرة أراضي الفلسطينيين، بل يتبعون سياسة تهجيرية لإخلاء الضفة من سكانها. وتشمل تلك السياسة توجيه مياه الصرف الصحي والنفايات الصلبة الناتجة عن المستوطنات نحو الأراضي الفلسطينية، حيث تُعرّض الصحة العامة للخطر، وتجعل الأراضي الزراعية غير صالحة للاستخدام.

ووفقاً لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عام 2018، فإنَّ المستوطنات تنتج حوالي 40 مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي سنوياً، يتم تصريف نحو 90% منها في الأراضي الفلسطينية دون معالجة.

كما أظهرت الأبحاثُ التي أجرتها منظمة “سيزفي” الإنسانية الإيطالية في عام 2019 أنّ معدّل ما ينتجه الفرد من المستوطنين يقدّر بضعفي ما ينتجه الفرد الفلسطيني، حيث يقدّر ما تنتجه المستوطنات من النفايات الصلبة بنحو 1200 طن يومياً.

ولا تتوقف الطموحات الإسرائيلية عند تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية فحسب، بل إنّ بعض المتطرفين منهم طالبوا علناً بإعادة الاستيطان. فقد شارك آلاف الإسرائيليين وبينهم وزراء من اليمين المتطرف وحلفاء نتانياهو في مؤتمر بالقدس في نهاية فبراير/ شباط الماضي، للمطالبة بإعادة بناء المستوطنات في قطاع غزة.

وأشارت زعيمة المستوطنين “دانييلا فايس” حينها إلى أنّ المؤتمر يهدف إلى الضغط على الحكومة “للعودة إلى قطاع غزة وإقامة مستوطنات على الفور”.

كما دعا بعضهم إلى ترحيل الفلسطينيين من غزة وأعلنوا أن المستوطنات هي السبيل الوحيد لضمان الأمن للإسرائيليين، بينما هتف المؤتمرون “اتفاقات أوسلو ماتت، شعب إسرائيل حي”.

تسليح المستوطنين

إنّ ما تقدّمه الحكومة الإسرائيلية للمستوطنات لا يتوقف عند الدعم المادي والحماية العسكرية، بل يمتدّ إلى تسليح المستوطنين المتطرفين بحجة تمكينهم من حماية أنفسهم. لكنهم في الواقع استخدموا تلك الأسلحة لمهاجمة الفلسطينيين والاعتداء على أملاكهم.

وتصاعدت هجمات المستوطنين عام 2023 لأعلى مستوى لها منذ بداية تسجيلها عام 2006، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، وشهدت الضفة الغربية وتيرة متسارعة من الهجمات بعد طوفان الأقصى، فقد سجلت الأمم المتحدة أكثر من 700 هجوم للمستوطنين منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 حتى بداية إبريل/ نيسان الماضي، شارك الجيش الإسرائيلي في نصفها.

وكان “الكابينت” الإسرائيلي قد أقرّ في فبراير/ شباط الماضي توزيع السلاح على الإسرائيليين بمن فيهم المستوطنون، وأعلن نتنياهو حينها عن اتخاذ إجراءات لتعزيز المستوطنات في الضفة الغربية.

الوزير المتطرف بن غفير يسلم الأسلحة للمستوطنين

واتخذت الحكومة الإسرائيلية ذلك القرار بالرغم من تحذير الأمم المتحدة على لسان مفوضها السامي لحقوق الإنسان “فولكر تورك”، من أنّ خطط الحكومة الإسرائيلية لتوسيع تراخيص السلاح ستؤدي إلى مزيد من العنف وإراقة الدماء.

وفي نهاية مايو/ أيار الماضي، أفادت القناة السابعة الإسرائيلية بأنّ الجيش سيوزع مزيداً من الأسلحة الرشاشة على المستوطنين في الضفة الغربية.

واستخدم المستوطنون تلك الأسلحة في تنفيذ هجماتهم ضد القرى الفلسطينية، مستفيدين من الغطاء الذين يوفره لهم جنود الاحتلال، حيث قاموا بإطلاق النار على المواطنين وحرق ممتلكاتهم.

مشهد لسيارات محترقة بفعل هجمات المستوطنين في قرية المغيّر قرب رام الله

وفي واحدة من أكبر هجمات المستوطنين، تسلّل قرابة 100 مستوطن مدججين بالسلاح إلى قرية جيت في 15 أغسطس/ آب الماضي، وأحرقوا مركبات ومنازل وأراضي زراعية تحت حماية جيش الاحتلال. وأدّى الهجوم إلى استشهاد شاب فلسطيني برصاص المستوطنين، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية.

وقد وصفت الأمم المتحدة هجوم المستوطنين الدامي على القرية بأنه “مروع”، وأضافت “إلى حد كبير، نرى إفلاتاً من العقاب” في هجمات مماثلة.

وأفادت المتحدثة باسم مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة “رافينا شامداساني” بأنّ “هناك تقارير تفيد بأن قوات الأمن الإسرائيلية تقف مكتوفة اليدين بينما تقع الهجمات”. مضيفة أنّ توزيع الأسلحة على المستوطنين من قبل الدولة يشير بكلّ وضوح إلى مسؤوليتها في هذا الصدد.

تغطية صحفية: هجوم واسع على قرية جيت شرق قلقيلية.. أكثر من 100 مستوطن أحرقوا منازل وممتلكات الفلسطينيين بحماية قوات الاحتلال. pic.twitter.com/SdnFsGpCzB

— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) August 15, 2024

لقد كان الهدف المعلن من اتفاقية أوسلو العمل على استرجاع الأرض المحتلة عام 1967 على مراحل، تمهيداً لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، لكنّ إسرائيل استمرّت في مشروعها الاستيطاني الذي استولى على مساحات شاسعة من الضفة الغربية، ولم يبق للفلسطينيين سوى نحو 15% فقط من مساحة فلسطين التاريخية.

“}]] 

المحتوى ذو الصلة