في غزة.. صمود يواجه التدمير.. وذكريات تقاوم النسيان

[[{“value”:”

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

يقولون إنّ ما هدم يُبنى، وإنّ الإنسان أهمّ من البنيان، وهذا صحيح.. لكنّ الحال في غزّة أنّ ما يهدم، وإن قُدّر له أن يُبنى مرة أخرى، فسيفقد ملامحه القديمة ورائحته الزكيّة، وستذهب معه كثير من الذكريات والأحلام والطموحات، أو على الأقل.. هذا ما يشعر به أهل غزة دون أن يبوحوا به، مع اقتراب صمودهم الأسطوري من إتمام شهره السابع في وجه مطرقة الإبادة الصهيونية.

بناء مجبول بالعرق

الرجل الستينذي أبو محمّد، شارك في تسعينيات القرن الماضي متطوعاً مع أعداد كبيرة من الشبان في بناء مسجد الإمام الشهيد حسن البنا في منطقة المخيم الجديد في النصيرات؛ ليصبح “قلعة” كما يحب أن يَصِفه بدلاً من الصفيح المتهالك. أمّا الآن.. فيرى أبو محمّد أنّ ذكريات كثيرة دفنت تحت أنقاض المسجد، ولا يمكن لها أن تحيا من جديد.

وخلال حملتها الأخيرة على منطقة شمال مخيم النصيرات، في ثاني أيام عيد الفطر المنصرم، استهدفت المقاتلات الحربية الصهيونية مسجد الشهيد حسن البنا ومئذنته الشامخة، بأكثر من 10 صواريخ ثقيلة، لتدمّره بالكامل.

وبيّن أبو محمّد، في حديث مع مراسل المركز الفلسطيني للإعلام، أنّ هذا المسجد جُبلت حجارته ومواد بنائه بعرق أهل المخيم وشبابه، بل وبدمائهم، فقد أقامه الناس رغم ملاحقات الاحتلال، كاشفاً أنّه وكثيرين مثله كانوا يعودون من أعمالهم في وقت متأخر، ليشاركوا في بناء المسجد حتى أوقات متأخرة من الليل.

وبصوت متحشرج يقول: لنا هنا ذكريات كثيرة، صلوات ودعوات، وأحبّة، منهم من رحل ومنهم من بقي، ليعايش اليوم مرارة الحرب، وأصعب ما فيها فقدان المسجد وانقطاع صوت الأذان فيه، ويتابع: سنعاود بناء المسجد، وقد يصبح أجمل معمارياً، وإن كان القصف دفن تحت ركامه بعض روّاده، فإنّ ذكراهم ستظل في نفوسنا ونحن نعمر مسجدنا من جديد.

شقة الأحلام

ولا يختلف الحال عند الشاب أحمد، الذي يعمل مدرساً في مدارس قطاع غزة، وفقد شقته التي اشتراها بـ”شقّ الأنفس” حسب تعبيره.

فأحمد، وهو في أواخر الثلاثينيّات من العمر، اشترى شقة في أبراج الصالحي الواقعة في أرض المفتي شرق المخيم الجديد في النصيرات، وقد دمّرها الاحتلال بشكل كامل خلال عدوانه الأخير على المنطقة.

يقول أحمد في حديث خاص للمركز الفلسطيني للإعلام: “شقة الأحلام ذهبت، وذهب معها جزء كبير وسنوات طويلة من حياتي وحياة عائلتي”.

وأوضح أنّه تزوج في هذه الشقة، وجلب أثاثها قطعةً قطعة، بصعوبة بالغة، في ظل الأوضاع الاقتصادية التي كان يعيشها القطاع، على مدى أعوامٍ طويلة من الحصار.

وأوضح أنّ آخر ما اشتراه كان طاولة السفرة التي كانت تريدها زوجته كثيراً، وقد جلبها للبيت قبيل الحرب بأسابيع قليلة.

وفي الشقة “الحلم” كما يصفها، رزقه الله بأطفاله الثلاثة، وفيها شاهدهم يكبرون يوماً بعد يوم، وسمع فيها لأول مرة كلمة “بابا”، مشيراً إلى أنّه يحفظ كل لعبة أحضرها لأبنائه، ويعرف مكانها، لكنّه اليوم لا يجد المكان بعد أن أضحى ركاماً متناثراً، بل فقد الزمان والذكريات والأحلام، التي استكثرها الاحتلال على أحمد وعائلته البسيطة.

ويستدرك أحمد مؤكّداً أنّه راض بـ”قضاء الله وقدره”، ويعتقد أنّه سيسكن شقّة غير شقّته المدمّرة مستقبلاً، وقد يُبنى البرج ويعود ليستلم شقّة في ذات المكان، مستذكراً ذكريات جميلة حاول القصف الصهيوني أن يدفنها تحت الرّكام، لكنّها لا ما زالت حيّة في صدورهم، وسيحاولون استرجاعها.

تدمير ممنهج

ووفق إحصائية رسمية نشرها المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فقد ألقى الاحتلال أكثر من 75 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة، أدّت إلى تدمير 86 ألف وحدة سكنية كلياً، و294 ألف جزئياً، منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر 2023.

ودمّر الاحتلال كذلك 181 مقرّاً حكومياً، و103 من المدارس والجامعات تدميراً كليّاً، و311 منها جزئياً، وأخرج 32 مستشفى و53 مركزاً صحياً عن الخدمة، واستهدف 160 مؤسسة صحية، و126 سيارة إسعاف.

وقدّرت الجهات الحكومية في غزة الخسائر الأولية المباشرة لحرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة بأكثر من 30 مليار دولار.

وبمناسبة مرور 200 يوم على حرب الإبادة المستمرة في قطاع غزة، أعلنت وكالة الأونروا أنّ الحرب الإسرائيلية على غزة خلفت دماراً في كل مكان، وأضراراً هائلة في البنية التحتية الحيوية في القطاع.

وقالت في منشور لها على منصة إكس: “الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية هائلة، وفقد أكثر من مليون شخص منازلهم، ونزح أكثر من 75% من السكان، مؤكدة أنّ الأمر سيستغرق سنوات لإزالة الحطام الناتج عن القصف المستمر على القطاع.

“}]] 

المحتوى ذو الصلة