كيف تتغلب “حماس” على أهداف نتنياهو؟

بدأت الجولةُ الثانية من حرب الإبادة الجماعية التي يشنُّها الكيان الصهيوني على قطاع غزة يوم الجمعة 1 ديسمبر/ كانون 2023، تحت شعار: “مراعاة القانون الدولي والإنساني”، وبصورة أشد ضراوةً، وأكثر همجيةً ودمارًا، وأفدح آثارًا من المرحلة الأولى، وذلك بعد فشل جهود تحويل الهدنة الإنسانيَّة إلى وقف دائم لإطلاق النار.

بدأت الجولةُ الثانية بدعم عسكريّ نوعيّ، وتفهّم كامل من الإدارة الأميركية لدواعيها وآثارها الإنسانية، مع الإصرار على تحقيق أهداف الحرب التي حصر رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو المعلنة منها في ثلاثة أهداف رئيسية هي: القضاء التام على حركة “حماس”، وتحرير الأسرى، وضمان ألا يشكّل قطاع غزة أيَّ تهديد للكيان الصهيوني في المستقبل.

فكيف ستواجه “حماس” هذه الأهداف الثلاثة الصهيو-أميركية، في ضوء انسداد الأفق السياسيّ، والعجز العربي والإسلاميّ والدولي، وارتفاع تكلفة الحرب، وخاصة في صفوف الأطفال والنساء والمدنيين، وخطورة النتائج النهائية المتوقعة حال الخَسارة على مستقبل قطاع غزة؟

أحسنت حماس بإيقاف التفاوض حول تبادل الأسرى العسكريين إلا بعد الاتفاق على وقف كامل لإطلاق النار، إذ لا جدوى في أن يستعيد الاحتلال أسراه في صفقة تبادل، ثم يعاود اعتقال من شاء من الفلسطينيين المحررين، قبل أن يبدأ جولة حرب جديدة للإجهاز على حماس

المأزق
يشكّل الهدفان: الأول والثالث- من الأهداف الصهيو-أميركية الثلاثة المعلنة لحرب الإبادة الهمجية البربرية التي يشنها التحالف الصهيو-أميركي على قطاع غزة- على وجه الخصوص تحديًا لحركة “حماس”، يتمثل فيما يأتي:

أولاً: يدرك التحالف الصهيو-أميركي أن القَبول الطوعي بإيقاف نهائي للحرب دون تحقيق أهدافه المعلنة، يعني هزيمة نكراء، سيكون لها تداعيات مستقبلية كبيرة على طرفَيه، وبالتالي لا مفرَّ أمامه من مواصلة الحرب، ويترتب على ذلك ما يأتي:

سعي هذا التحالف وشركاؤُه إلى التعجيل في تحقيق الهدف الأول للحرب؛ للقضاء على حماس عسكريًا وسياسيًا وإنسانيًا.
اللجوء إلى استخدام قوة تدميرية غير مسبوقة، تقلب الأرض رأسًا على عقب؛ بهدف تدمير أنفاق المقاومة، وقتل أكبر عددٍ من أفرادها بغض النظر عن الخسائر المترتبة في صفوف المدنيين.

تَكرار نموذج الاجتياح الذي تم تطبيقه في المحافظات الشمالية، في المحافظات الوسطى والجنوبية، وبصورة أشد، بما في ذلك المستشفيات وأماكن الإيواء.

محاولة الالتفاف على حماس، عبر اختراق فصائل المقاومة ومحاولة تفتيتها واستمالتها للدخول في صفقات ثنائية تحقق لها خروجًا آمنًا من قطاع غزة؛ للانفراد بحماس في المواجهة العسكرية.

اضطرار نسبة كبيرة من المدنيين إلى النزوح جنوبًا نحو الحدود مع مصر؛ هربًا من القصف المتعمَّد لمنازلهم ومستشفياتهم ومراكز إيوائهم، ومن قسوة الحياة وانعدام مقوماتها في مناطقهم.

تهيئة مخيمات مجهزة بالخِدمات لإيواء النازحين قرب الحدود المصرية، تحت رعاية المؤسسات الدولية؛ لتشجيع سكان المحافظات: الشمالية والوسطى والجنوبية على النزوح.

توقف الهدن الإنسانية لشلِّ المؤسَّسات الخِدمية، وتضييق الخناق على المدنيين؛ لإجبارهم على النزوح.

استمرار عمليّات تجميل الوجه الشيطاني الدموي للتحالف أمام العالم بشعارات: مراعاة القانون الدولي والإنساني، والتباكي على ضحايا هجوم “طوفان الأقصى” في 7/10/2023م، ومواصلة شيطنة “حماس”، وتحميلها مسؤولية ضحايا الحرب في صفوف المدنيين الفلسطينيين.

ومن هنا، فقد أحسنت حماس بإيقاف التفاوض حول تبادل الأسرى العسكريين إلا بعد الاتفاق على وقف كامل لإطلاق النار؛ لأنه لا جدوى في أن يستعيد الاحتلال أسراه في صفقة تبادل، ثم يعاود اعتقال من شاء من الفلسطينيين المحرّرين، قبل أن يبدأ جولة حرب جديدة للإجهاز على حماس.

ثانيًا: إصرار التحالف الصهيو-أميركي على تحقيق الهدف الثالث- القاضي بضمان عدم تشكيل أي تهديد للكيان الصهيوني في قطاع غزة مستقبلًا- يترتب عليه بالضرورة ما يأتي:

تحويل قطاع غزة إلى كيان غير قابل للحياة. فإذا كانت الجولة الأولى من الحرب قد أتت على حوالي 40% من العمران، فإن المرحلة الثانية ستأتي على النسبة المتبقية.

مواصلة السعي لإفراغ قطاع غزة، وتهجير النازحين إلى الجهة الثانية من الحدود مع مصر.

ضم القطاع بسلطة الأمر الواقع، بعد أن يكون قد تم تفريغه من سكانه، وتدمير كافة مقومات الحياة فيه.

أما الهدف الثاني- للتحالف الصهيو-أميركي، الخاص بتحرير أسرى الكيان الصهيوني لدى حماس وفصائل المقاومة- فهو هدف دعائي لا أكثر، فمنذ اليوم الأول للعدوان لم تكترث الطائرات الصهيونية- وهي تدكّ المباني والأرض في قطاع غزة- لاحتمال وجود أسراها داخل المباني أو الأنفاق، حتى في ظل وجود المدنيين؛ انطلاقًا من أن حكومة الكيان الصهيوني تخوض حربًا ضروسا ضد حماس، تفقد فيها يوميًا عددًا من أفراد قواتها بين قتيل وجريح، يتجاوز أضعاف أسراه العسكريين لدى حماس.

وبرغم العناصر الموضوعية الكثيرة التي شكّلت هذا التحدي لحركة حماس، فإن معظمها يظلّ مرهونًا بنتائج المعارك الدائرة على الأرض، والتي لا تزال حماس تتحكم في إدارتها، وتلحق بجيش الاحتلال الصهيوني خسائر فادحة لم تخطر ببال أحد من قادته في يوم من الأيام طوال تاريخ دولة الكيان الصهيوني.

كما فاجأت حماس العالم عسكريًا بـ “طوفان الأقصى”، فإن الفرصة أمامها لتفاجئه وتربكه سياسيًا، وتحدث تحوّلًا جذريًّا في الرؤية السياسية لحل القضية الفلسطينية، وذلك بإعلان تبنّيها حلَّ الدولة الواحدة، والانخراط الوطني في مفاوضات تنفيذ هذا الحل

المواجهة
في مواجهة هذا الوضع، تتزايد الحاجة إلى تحركات سريعة لإعادة التموضع، وتنويع خطوط المواجهة لتشمل المجالات: السياسي، والعسكري، والإعلامي، والشعبي على وجه الخصوص، بما يساعد على إحداث اختراقات في جدار الغطرسة والاستكبار والهيمنة؛ الذي يتمترس خلفه التحالف الصهيو-أميركي، ومن ذلك على سبيل المثال:

أولًا: في المجال السياسي
ربما يكون قد آنَ الأوان لتقدم القيادة السياسية لحركة حماس أطروحات تخفف من حدَّة التحدي العسكري، وتنسجم مع السياق الإقليمي والدولي الراهن، بمكوّناته: السياسية والعسكرية والفكرية، وتلبّي تطلعات الشعب الفلسطيني، ومن هذه الأطروحات:

تقديم رؤية سياسية خارج إطار حلّ الدولتين الذي أثبت أنه لا يعالج المشكلة، ولا ينهي الصراع، ولا يمتلك مقومات الحياة. لذا فكما فاجأت حماس العالم عسكريًا بـ “طوفان الأقصى”، فإنّ الفرصة أمامها لتفاجئه وتربكه سياسيًا، وتحدث تحوّلًا جذريًّا في الرؤية السياسية لحلّ القضية الفلسطينية، وذلك بإعلان تبنّيها حلَّ الدولة الواحدة، والانخراط الوطني في مفاوضات تنفيذ هذا الحل.

في حال تم تجاهل هذا الطرح، تعمل حماس على فتح كافة الجبهات والانتقال بمستوى المعركة من تحرير الأسرى إلى تحرير كامل فلسطين، وخلط جميع الأوراق الإقليمية والدولية ومشروعاتها الاقتصادية والتنموية.

التواصل مع القوى الفلسطينية المقاومة، وفي مقدمتها شرفاء حركة فتح؛ لتوحيد موقفها في إدانة العدوان الصهيو-أميركي، وتبنّي الدعوة إلى وقف شامل ونهائي للحرب، وتبنّي حلّ الدولة الواحدة.

التحرك الإقليمي والدولي والعربي والإسلامي، حتى مع الدول الغربية التي تؤيد الكيان الصهيوني، ولكنها لا تعتبر حماس تنظيمًا إرهابيًا؛ لشرح وجهة نظر الحركة، وتفنيد المزاعم والأكاذيب التي يسوّقها الكيان الصهيوني ضدها.

التأكيد الدائم على الشرعية الدستورية لحركة حماس، وبيان صفتها السياسية كحركة مقاومة شعبية، وعلى حقها في مقاومة الاحتلال وَفقًا للقانون الدولي، متجاوزة السلطة الفلسطينية التي فقدت شرعيتها الوطنية بعد انتهاء مدة رئاسة الرئيس أبو مازن.

المواجهة اليومية لمسلسل الكذب الذي يقومُ به الكيان الصهيوني ضد حركة حماس، وفضح الجرائم اللاإنسانية التي قام بها ضد سكان مستوطنات الغِلاف والفعاليات الاحتفالية التي أُقيمت فيها يوم عملية “طوفان الأقصى”، متهمًا حماس بارتكاب هذه الجرائم. تكثيف الجهود لمقاومة مشروع تفريغ قطاع غزة، وعدم الانخداع بما يرشح في وسائل الإعلام، من تصريحات مخادعة عن سقوط هذا المشروع.

وفي المقال القادم- إن شاء الله- نتناول أطروحات عسكرية وإعلامية وشعبية، يمكنها أن تزيد من قدرة حماس على مواجهة أهداف نتنياهو.

 

المحتوى ذو الصلة