مادلين وشقيقاتها.. هكذا حطمت الحرب قلوبهن ومزقت حياتهن

[[{“value”:”

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

في قلب الحرب، تتحول اللحظات العادية، التي كنا نعتبرها يوماً ما أمراً بديهياً، إلى ذكريات مؤلمة تمزق العائلات وتحطم قلوبهم. في غزة آلاف الحكايات التي تحمل في طياتها الحب والأمل غمرتها دون سابق إنذار فواجع الفقد والتشرد، والخوف من حياة مجهولة.

مادلين ومرام وريهام شقليه، ثلاث شقيقات تجسد قصتهن للكيفية التي تهز فيها الحرب حياة الآمنين وتحولها إلى صراع مستمر للملمة شتات الذات الممزقة، فقبل 4 أيام من حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، كانت الشقيقات الثلاث منهمكات في إعداد وليمة احتفاليّة على شرف عودة والديهم من تركيّا بعد رحلة علاج.

مجزرة حي النصر | غزة
مشاهد مؤلمة، بعد قصف طائرات الاحتلال لأحد المنازل في حي النصر، ٢٨ أكتوبر ٢٠٢٣

وقد هرع أهالي الحي لانتشال الشهداء وإنقاذ المصابين، بعد أن تسبب قطع الاتصالات بالعجز عن التواصل مع طواقم الإسعاف والدفاع المدني.. pic.twitter.com/fx0aOvECKO

— The Palestinian Archive الأرشيف الفلسطيني (@palestinian_the) October 28, 2023

وحتى أسبوع من اندلاع الحرب، بقيت الشقيقات في بيوتهن رفقة أطفالهن وأزواجهن إلى أن نزحت مادلين (39 عاما) قسرياً إلى بلدة الزوايدة وسط قطاع غزة إثر القصف الإسرائيلي العنيف على شمال القطاع.

تقول مادلين: “انتقلتُ أنا وزوجي إلى مركز للنازحين، وانتقل والداي إلى منزل أخت والدي في خان يونس. وانتقلتْ أختي ريهام وزوجها وأولادهما إلى مخيّم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزّة، وانتقلت أختي مرام، التي كانت تسكن في حيّ الرمال، مع زوجها عمر الريفي وابنتهما يُمنى، ابنة الخمسة أشهر، إلى منزل والدَي زوجها في حيّ الصبرة”.

لكن فرار مرام إلى حي الصبرة جنوب مدينة غزة لم يحمها من القنابل الإسرائيلية، إذ قصف جيش الاحتلال في 17 أكتوبر 2023 المنزل الذي تواجدت، فقُتِلت طفلتها الصغيرة يُمنى، وأصيبت هي في كتفها وعانت من حروق طفيفة. كما قُتلت من جراء القصف أخت زوجها ليلى، والدة الطفلة الرضيعة ألينا، ابنة الشهر ونصف أو الشهرين.

الشهيدة مرام حمّاد شقليه التحقت ببنتها الشهيدة الرضيعة يُمنى. pic.twitter.com/39lqtlC1tw

— Raghad🇵🇸 (@Raghadm_48) October 30, 2023

تقول شقيقتها مادلين في شهادة نقلتها منظمة “بتسليم” الحقوقية: “كانت مرام في حالة نفسيّة صعبة جدًّا، ولم تكن قادرة على تحمّل فقدان طفلتها. بعد بضعة أيّام خرجت من المستشفى وأقنعناها هي وزوجها بالانتقال إلى والديّ في خان يونس. وانتقلت أنا أيضًا إلى هناك مع ابنتي زينة البالغة من العمر 13 عاما.

كان لقاء بالدموع، أخبرت فيه مرام كيف فقدت طفلتها الوحيدة، حيث قد انتهت للتو من تغسيلها وجلست برفقة عمتها ليلى وطفلتها الصغيرة، ألينا، “بعد ذلك أعدّت ليُمنى تركيبة الحليب، ثمّ فجأةً سقط شيء ثقيل على كتفها. قالت إنّها سمعت يُمنى تبكي بينما امتلأ المنزل بغبار أبيض. بدأت تصرخ: يُمنى! يُمنى! لكن في هذه المرحلة لم تعد يُمنى تصدر أيّ صوت، أدركتْ مرام أنّها استشهدت. ويبدو أنّ ليلى، التي أصيبت، أدركتْ أنّها ستموت، فطلبتْ من مرام أن تعتني بطفلتها الصغيرة”.

مرام شقلية والدة الشهــ.ـيدة يمنى.. لم تقوى على فراق فلذة كبدها فلحقتها، مرام شهـ.ـيدة. https://t.co/b2vR0BoStg

— ق.ض (@Jales_tinian2) October 29, 2023

وتمضي مادلين في رواية تفاصيل الفاجعة التي لم تنتهي بعد: “في ذلك اليوم عدتُ إلى الزوايدة، لكنّ زينة اختارت البقاء مع والديّ ومع مرام التي كانت في وضع صعب وكانت زينة شديدة التعلّق بها. بعد ذلك ببضعة أيّام رجعتُ أنا وزوجي إلى غزّة لأنّنا لم نستطع تحمُّل الحياة في مخيّم النازحين. حينها لم يكن هناك حاجز عسكريّ على الطريق بعد. في الوقت نفسه، عادت مرام وزوجها أيضًا إلى منزل أقاربهما في مدينة غزّة، والذي كان فيه حماها وإخوة وأخوات زوجها أيضًا.. وأشخاص كثيرون. بقيت زينة مع والدَيّ”.

في هذه المرحلة كانت الشقيقات الثلاث (مادلين، ومرام، وريهام) في مدينة غزّة، يتحدثن إلى بعضهن في كلّ فرصة، “لأنّ الوضع كان صعبًا جدًّا، خاصّة في مخيّم الشاطئ للاجئين، حيث تسكن ريهام. وفي كلّ مرّة تحدّثنا فيها عبر الهاتف شكرنا الله أنّنا ما زلنا على قيد الحياة”.

انقطاع الانترنت وشبكة الاتصالات عن قطاع غزة تزامنًا مع موجة قصف عنيفة جدًا تستهدف كافة أرجاء غرب مدينة غزة pic.twitter.com/EEjpxRTAV7

— Tamer | تامر (@tamerqdh) November 5, 2023

عندما عادت شبكة الاتصالات بعد تعمدت سلطات الاحتلال قطعها لأول مرة عن غزة لمدة يومين في 27 أكتوبر، حاولت مادلين الاتّصال بمرام لكنّها لم تردّ، “حاولتُ مرارًا وتكرارًا، وفي النهاية ردّتْ لبنى، أخت زوجها، وأخبرتني بأنّ مرام استشهدت في اليوم السابق”.

وقع الخبر على مادلين كالصاعقة، وشعرتُ وكأنّها في كابوس، إذ لم تكن تتوقع سماع مثل هذا الخبر، كما أصيب زوج مرام بجروح بالغة في الرقبة والظهر، ومكث مدة طويلة في المستشفى الأوروبيّ شرق خان يونس.

“يعجزون عن مواجهة المقاومين ولا ينجحون سوى في قتل النساء والأطفال.. إن كانوا رجالا فليذهبوا لمواجهة المقاومة”.

مسن فلسطيني يتحدى جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين قتلوا عددا كبيرا من أبناءه وأحفاده في مجزرة بشمال قطاع غزة pic.twitter.com/dWIgjJIaCZ

— رضوان الأخرس (@rdooan) November 8, 2023

استشهدت مرام بعدما قتل الاحتلال طفلتها الصغيرة بنحو عشرة أيام، ودُفنت دون أن نتمكن من وداعها، تقول مادلين، مشيرة إلى أن شقيقتها الشهيد هي الأصغر بينهم وكانت قد تزوّجتْ قبل الحرب بنحو سنة ونصف السنة.

وفي تفاصيل شخصية مرام، تخبر الأخت الكبرى أن مرام درست إدارة أعمال وعملت في هذا المجال، “كانت إنسانة مفعمة بالحياة، ذات مزاج حلو وضحكة جميلة. أحبّتْ كثيرًا أسرتها ومنزلها الذي كان يحظى بمنتهى عنايتها دائمًا. كان لديها الكثير من الصديقات اللاتي أحبَبْنها كثيرًا. كانت تهتمّ بأمّي وأبي على الدوام، لأنّها كانت الأخيرة التي تزوّجتْ بيننا وعاشتْ معهما فترة أطول. كانت في منتهى السعادة عندما وُلدتْ يُمنى. أعدَّتْ لها غرفة جميلة وأقامتْ حفلة”.

وتمضي مادلين بالقول، أن استشهاد مرام ضغط والدي عليّ وعلى شقيتي ريهام للانتقال جنوبًا إليهما، “خرجنا مع أولاد ريهام حاملين راية بيضاء، وتمكّنا من الوصول إلى خان يونس. بعد ذلك بيومين انضمّ إلينا زوجي وزوج ريهام”.

تنتظر مادلين وأسرتها انتهاء الحرب للخلاص من موجات النزوح المتكرر بين وسط وجنوب القطاع، على أمل أن يلتقوا بأشقائها ثلاثة حيث يقيمون في تركيّا وأخت رابعة تعيش في النرويج.

“}]] 

المحتوى ذو الصلة