القدس المحتلة/PNN- في مؤتمر صحفي جديد، قال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، أمس، إن إسرائيل مستمرة في حربها على “حماس” حتى تدميرها واستعادة المخطوفين من غزة، بيد أن حالة الغضب على حكومته، والتشكيك بأهليتها وحساباتها تشهد تصعيداً ملموساً في الأيام الأخيرة.
فقد دعا رئيس الوزراء الأسبق إيهود براك لزيادة الجهود للإطاحة بنتنياهو الآن. في مقال نشرته صحيفة “هآرتس”، اليوم الجمعة، دعا براك الوزيرين بيني غانتس وغادي ايزنكوت للسعي لتغيير تركيبة الحكومة والذهاب لانتخابات عامة، في حزيران القادم في أبعد حدّ.
ويقول براك إن هناك أجواءً من الإحباط لدى الإسرائيليين، فرغم مكاسب الجيش وبطولة جنوده يسود شعورٌ بأن “حماس” لم يتم تفكيكها، واستعادة المخطوفين تبدو أبعد. ويوضح أن الولايات المتحدة تحاول، منذ شهرين، دفع مقترح يخدم مصالح إسرائيل أيضاً، يقضي بإدخال قوات عربية للقطاع، ونزع سلاح “حماس”، وتحويل القطاع لاحقاً لسلطة فلسطينية متجددة بدعم من السعودية والإمارات، اللتين تعهّدتا بترميم القطاع.
براك: الجيش لا يستطيع زيادة احتمال الانتصار في الحرب دون هدف سياسي معرّف. دون هدف واقعي سنتورط في وحل غزة
ويقول أيضاً إن المقترح الأمريكي هو المقترح العملي الوحيد، احتمالاته قليلة طالما أن إسرائيل تبدو تراوح في المكان، وإن المطلوب منها المشاركة في مسيرة سياسية في اتجاه حل الدولتين.
ويتابع: “منذ ثلاثة شهور، يمنع نتنياهو التداول في “اليوم التالي”، وهذه فضيحة. الجيش لا يستطيع زيادة احتمال الانتصار في الحرب دون هدف سياسي معرّف. دون هدف واقعي سنتورط في وحل غزة،
فيما نقاتل بالتزامن في شمال البلاد والضفة الغربية، ما يبدّد الدعم الأمريكي ويهدد اتفاقات أبراهام، واتفاقيتي السلام مع مصر والردن”.
يدفعنا للهاوية
ويحذّر براك من أن نتنياهو بمفاهيمه الأمنية يدفع إسرائيل نحو الهاوية. ويضيف: “يمكن الادعاء أن المقترح الأمريكي سيئ، ولكن لا يجوز منع التداول فيه خلال حرب يقتل فيها جنودٌ كل يوم. بين إسرائيل وبين حل واقعي يقف نتنياهو وثنائي الابتزاز بن غفير وسموتريتش وهم يدفعوننا نحو هاوية خدمةً لمصالح خاصة، وهذا ما ينبغي وقفه”.
ويوضح براك أن نتنياهو يدرك أن سلطة فلسطينية متجدّدة تعني خسارة بن غفير وسموتريتش، وتقرّب نهاية حكومته، مشدداً على أن إسرائيل بحاجة لقيادة أخرى، وللذهاب لانتخابات، وهذا يحدث عندما يتفجر غضب عائلات المخطوفين والنازحين وجنود الاحتياط وجماهير الشعب ممن يذكرون السابع من أكتوبر جيداً”.
براك، الذي يواصل حملته على نتنياهو وحكومته، ويشجع التمرد عليها، يضيف: “يسألني البعض عما أعرف كمواطن ولا يعرفه غانتس وايزنكوت ورئيس الدولة وليبرمان؟ ايزنكوت وغانتس محتاران حيال الخروج من الحكومة لأنه على طاولة مجلس الحرب تطرح قرارات مصيرية. أقترح عليكما: اُطلبا تحديد موعد مسبق لانتخابات مبكرة في حزيران في حدّ أقصى. لا تخرجا من الحكومة، لكن ادعوا لخلق أغلبية في الكنيست لذلك. بحال قام نتنياهو بإبعادكما ستقوم الاحتجاجات الواسعة. بحال لم تقوما بذلك من الصعب أن توضّحا لذاتيكما لماذا امتنعتُما عن انتزاع العائق الذي يمنعنا من الانتصار في حرب توقّعها ايزنكوت، في فترة يمكن أن يصبح خطراً وجودياً على إسرائيل”.
الخلاص في الانتخابات
وفي سياق متصل، اعتبر الوزير عضو مجلس الحرب غادي ايزنكوت، قائد جيش الاحتلال السابق، الذي ثكل ابنه في غزة، قبل شهر، أن خلاص إسرائيل من المأزق الحالي هو الذهاب لانتخابات عامة يفرز فيها الإسرائيليون قيادة جددية.
حينما سئل، من قبل القناة 12 التي أجرت معه المقابلة، عن زعم نتنياهو أن الانتخابات ستفضي إلى الانقسام الخطير في صفوف الإسرائيليين، قال ايزنكوت: فقدان الثقة بحكومته أشد خطراً”. وأكد أن الهدف الأول المطلوب الآن هو استعادة المخطوفين، على أن نكمل الحرب ضد “حماس”، التي لم تهزم بعد، لاحقاً، مشدداً على أن استعادتهم أحياء أكبر من قيمة إنسانية بصفتها خدمة للأمن القومي، كونها تحافظ على العقد الفريد بين الدولة وبين مواطنيها.
ورداً على سؤال، قال إنه لا يثق بنتنياهو وحكومته ومتشكّك حيال حساباتهم الحقيقية في الحرب، التي بدأت بعد أكبر وأخطر فشل استخباراتي وإستراتيجي تورّطت به إسرائيل منذ قامت.
التورّط بوحل غزة
ويُجمِع عددٌ كبير من المحللين العسكريين والسياسين الإسرائيليين البارزين، اليوم، على ضرورة تغيير سلّم أولويات الحرب من أجل استعادة المحتجزين أولاً، وعلى أن إسرائيل تتورّط رويداً رويداً بحرب استنزاف داخل قطاع غزة.
في مقال بعنوان “حرب صعبة تحتاج لقبطان” يقول المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، اليوم، إن إسرائيل تبدي إشارات على بدء تورطها في رمال القطاع، فيما وقت المخطوفين ينفد، والضفة الغربية تقترب من الانفجار، لكن الحكومة، خاصة رئيسها، يبدون غير قلقين بشكل خاص.
ويمضي هارئيل في حملة يصعّد فيها اللهجة أكبر مما فعل منذ بدء الحرب: “كلما صار الواقع داخل القطاع أصعب وأخطر، تبدو الحكومة منفصمة أكثر عن الواقع. حبذا لو أعدنا النظر بسلم أولويات الحرب، فوقت المخطوفين ينفد. الجيش المتركّز في مكاسبه لا يهضم بشكل كامل الشعور بخيبة الأمل، الخوف والأسى لدى الجمهور الإسرائيلي”.
وتبعه زميلُه محلل الشؤون السياسية والحزبية في “هآرتس” يوسي فرطر، الذي يمتدح “الخطوة الاستباقية” بقوله إن نتنياهو يفضّل بن غفير على جو بايدن، ويهدد علاقات إسرائيل بأمريكا، ويكذب ويزوّر، مشدداً على أنه في كل يوم يمضي يتبيّن أنه لا يصلح لقيادة إسرائيل.
ويمضي في تعليل هجومه الكاسح على نتنياهو: “توجهات نتنياهو على حالها: أنا أولاً، والبقاء في الحكم هو الهدف الأول، وكل شيء يأتي لاحقاً”.
ويرى فرطر أن غانتس وايزنكوت يدركان أن “بقاءهما داخل الكابنيت، المنقسم على ذاته، والمخترق، لن ينقذ إسرائيل”.
ويخلص للاستنتاج: “عليهما أن يفهما أنه بحال لم يبادرا لخطوة استباقية سيتعرّضون هما للضرب والأذى أولاً”.
ويدلل رسمُ كاريكاتير على روح أقوال فرطر وهارئيل، في الأول يظهر نتنياهو وغالانت على ظهر دبابة، ومن تحتهما شعار: “معاً ننتصر”، وهما يشهران سلاحهما في وجه بعضهما البعض في ملامح وجه صارمة”.
وفي الرسم الثاني توجه سهام النقد لعادة نتنياهو في التنصّل من المسؤولية ودحرجتها نحو الآخرين، فيبدو نتنياهو تحت يافطة: “فحص أمني”، وهو يفتش في صندوق أدوية فيها علب “أسبرين” وهو يقول: هل من يعلم من أدخل غانتس هنا؟
عالقون
ويواصل المعلق السياسي البارز ناحوم بارنياع خطّه الناقد، مكرراً ما قاله قبل ثلاثة شهور، بأن إسرائيل لن تنتصر على “حماس”، ويلخّص وضع إسرائيل اليوم بعنوان مقاله المنشور في “يديعوت أحرونوت”: “عالقون”.
بارنياع: اعتقدنا أن مصلحة الغزيين لا تهمّ السنوار. اعتقدنا أنه “داعش”، ويتضح اليوم أنه “حماس”
ويوضح بارنياع أن إسرائيل لم تحسن استخدام الأوراق التي بيدها من أجل إخراج المخطوفين من يد السنوار. ويمضي في انتقاداته اللاذعة:
“اعتقدنا أن مصلحة الغزيين لا تهمّ السنوار. اعتقدنا أنه داعش، ويتضح اليوم أنه حماس. نتنياهو يبحث عن بناء حزب جديد خنوع ومطيع له، يجتذب فيه ناخبي اليمين الخائب أملهم بحكومة اليمين “.
ومقابل هذا التوجّه الناقد المتصاعد ضد الحكومة وحسابات الحرب وإدارتها الفاشلة، ما زالت أوساطٌ تؤيد نتنياهو في تأييد مواصلة الحرب، لأن وقفها يعني انتصار “حماس” في الحرب، كما يقول المعلق السياسي آفي سخاروف في “يديعوت أحرونوت”، وغيره، لكن في السطر الأخير تبدو إسرائيل بحالة إرباك أكثر مما مضى، ومرشحة لتفجّر موجات غضب واحتجاج شعبي على كل الانتقادات المذكورة، خاصة إذا ما اجتمعت بعض العوامل: زادت خسائر الجيش في الجبهتين، ومعها تفاقمت الأزمة الاقتصادية، واستمرار فشل إدارة شؤون الجبهة الداخلية، وخروج غانتس وحزبه من الحكومة، وإذا ما استمرت حكومة نتنياهو بخلط الحسابات، وبشكل ساخر، مفضّلة الاعتبارات الفئوية على مصالح عليا لإسرائيل. ومن المرجح جداً أن ينعكس هذا على مصير الحرب، التي باتت شرعيتها تتضاءل، نتيجة عدة عوامل، ويهدد بشكل جاد مستقبل هذا الائتلاف.