نتنياهو يستغل هجوم مسيّرة قيساريا لترميم منزله على نفقة الحكومة وتصوير نفسه كضحية محاولة اغتيال على غرار ترامب

 ​   

الداخل المحتل /  فيما تدعو عائلات المحتجزين وعددٌ كبير من المراقبين والجنرالات في الاحتياط لاغتنام فرصة استشهاد رئيس “حماس” يحيى السنوار من أجل إتمام صفقة معها لاستعادة المحتجزين، أو صفقة أكبر تنهي الحرب بكل جبهاتها، حتى إعادة النظر بالضربة المخططة لإيران، فإن رئيس حكومتها نتنياهو يتجّه للتجاهل، ومواصلة التصعيد لحسابات تختلف عن الحسابات العامة والمصالح العليا.

ويعرب عدد كبير من المراقبين الإسرائيليين، اليوم، عن تشاؤمهم من استغلال التحوّل، والعمل لترجمة النجاحات التكتيكية لمكسب إستراتيجي، فيقول المحلل البارز في “يديعوت أحرونوت” شيمعون شيفر إنه في السطر الأخير في الحرب الحالية، التي لا يبدو لها نهاية، لا مبرر للسؤال عن “اليوم التالي”، لأننا لن نصله طالما أن الأمر يتعلق بحكومة نتنياهو.

سارع نتنياهو لاستغلال مهاجمة بيته في محاولة الظهور بصورة البطل المستهدف الذي يسدّد ثمنًا لمواقفه، كما فعل ترامب وهو يتحدث للأمريكيين مع ضمادة في أذنه بعد إطلاق رصاصة نحوه

ويتبعه محلل الشؤون الاستخباراتية في الصحيفة رونين بيرغمان، الذي يكشف عن كيفية فشل مساعي الصفقة مع “حماس” لعدة أسباب، أهمها تعطيلها من قبل نتنياهو وشروطه الجديدة.

وتحت عنوان “الحساب لم يغلق.. بل سيتورط”، يرجح المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل أن الصفقة تبتعد بسبب نتنياهو وحساباته، ولصعوبة اتخاذ خليفة السنوار قرارًا مرنًا بعدما ترك الأخير إرثًا على شكل وصية تدعو للقبول بصفقة مقابل انسحاب كامل وإطلاق عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين، خاصة أن الحديث يدور عن محمد السنوار الذي لا يقلّ صلابة عن شقيقه.

في المقابل، فإن نتنياهو، كما منذ بدء الحرب على غزة، يواصل التصعيد واستبعاد إنهاء الحرب والصفقة بالامتناع عن المبادرة والتضليل، رغم أن أوساطًا إسرائيلية كثيرة ترى أن هناك “صورة انتصار”، وفرصة لوقف الحرب واستعادة المخطوفين وترتيب الأوراق على الجبهة الشمالية.

نتنياهو، المجرب، رئيس الحكومة السادسة في مسيرته، يدرك في قرارة نفسه أن هناك فرصة للنزول عن الشجرة، وتحاشي استمرار حرب استنزاف مكلفة (عسكريًا، ودبلوماسيًا، واقتصاديًا) وستطول رغم الاغتيالات في لبنان وغزة. بيد أن حسابات نتنياهو لا تقتصر على الاعتبارات العامة والمصالح العليا، بل تأخذ في عين الاعتبار حساباته الشخصية ومستقبل ائتلافه وموقف شركائه.

أمام التحولات الدراماتيكية، فإن عين نتنياهو على كفتي الميزان قبيل حسم أمره؛ كفة المصالح الإسرائيلية العليا، وكفة مصالح نتنياهو الشخصية: في حال ابتسمت له الاستطلاعات، وارتفعت شعبيته هو وحزبه، وزادت قوته مقابل الوزراء المتشددين المؤيدين لمواصلة الحرب حتى “النصر المطلق”، سيتجه للتهدئة ووقف الحرب وإتمام صفقة، والعكس صحيح. في ظل الاستطلاعات العبوسة حتى الآن، رغم استشهاد السنوار، سارع نتنياهو للقول إن الحرب مستمرة، والتحديات ما زالت تنتظر إسرائيل. وهنا يأخذ نتنياهو بالحسبان موقف الشركاء المتشددين، ممن سارعوا هم أيضًا لقطع الطريق على دعاة “انتهاز الفرصة” من أجل حل سياسي، وبدون هؤلاء لن تبقى حكومة.

بن غفير، وهو الآخر يتصرف بالأساس وفق الاستطلاعات ويقتات من الخطاب الشعبوي، أكّدَ، في الليلة الفائتة، دعوته لمواصلة الحرب حتى “النصر المطلق”، أما الوزير المستوطن سموتريتش فيتحرك حسب اعتبارات أيديولوجية، ويعمل وفق “نظرية حسم” الصراع مع الشعب الفلسطيني حسمًا تاريخيًا، وليس فقط من باب الانتقام، وهذا هو موقف بعض وزراء “الليكود”، ونتنياهو يراقب ويسمع ويستنتج.

يضاف إلى هذا كلّه عين نتنياهو أيضًا على الانتخابات الأمريكية، وينتظر فوز حليفه ترامب ليقوم بتطبيق سياساته وتوجهاته، ما يدفعه للتريث والتسويف.

وعلى خلفية ذلك، سارع نتنياهو لاستغلال مهاجمة بيته في قيساريا بمسيّرة من لبنان، وتوظيفها لاصطياد عدة عصافير، منها الترويج الشخصي، ومحاولة الظهور بصورة البطل المستهدف الذي يسدّد ثمنًا لمواقفه، كما فعل ترامب وهو يتحدث للأمريكيين مع ضمادة في أذنه بعد إطلاق رصاصة نحوه قبل شهرين.

ويبدو أن نتنياهو يتطلع لتحقيق أرباح مالية من خلال التركيز على “محاولة اغتياله”، من خلال ترميم البيت المتضرر في قيساريا على نفقة الدولة، رغم أنه بيت شخصي، بدعوى أنه استهدف كونه رئيسًا للوزراء، ما أثار حملة تندّر واتهام في منتديات التواصل الاجتماعي العبرية، بعد خروجه في شريط فيديو يتحدث عن محاولة فاشلة لقتله. والأهم أن نتنياهو، ووزراء كثراً معه في سرب واحد، وظّفوا هجمة المسيّرة على بيته الخالي في قيساريا للطعن في إيران وشيطنتها، وحصد المزيد من الشرعية الدولية لضربها، وربما بشكل أشدّ مما كان مخططًا له مسبقًا.

حالت الشرطة الإسرائيلية دون الاقتراب من البيت المستهدف في قيساريا بحجة الخوف من مظاهرات مقابل البيت، بيد أن الغاية الحقيقية هي منع تصوير الأضرار التي من شأنها المساس بهيبة رئاسة الوزراء وصورة إسرائيل

في التزامن، تتواصل المعركة على الرواية وعلى الوعي بين أطراف المواجهة المفتوحة؛ إذ حالت الشرطة الإسرائيلية حتى الآن دون اقتراب أي صحفي أو شخص عادي من البيت المستهدف في قيساريا بحجة الخوف من مظاهرات مقابل البيت، بيد أن الغاية الحقيقية هي منع تصوير الأضرار التي من شأنها المساس بهيبة رئاسة الوزراء وصورة إسرائيل، فالعملية تنمّ عن جرأة وكفاءة استخباراتية وعملياتية عاليتين. وما زالت إسرائيل تحاول تثبيت رواية خبيثة تقول إن السنوار أقام وزوجته، مع حقيبة من نوع “هيرمس” الفاخر، وأسرته داخل نفق في مكان آمن، بعكس شعبه المكشوف للقصف، قصف إسرائيل نفسها، كما جاء في فيديوهات بثها الناطق العسكري ليلة أمس.

وقبل ذلك كان معظم الإعلام الإسرائيلي يردّد رواية رسمية بأن السنوار “اغتيل” ورحل وهو داخل نفق كصدام حسين ومعمر القذافي، رغم أن صور جيش الاحتلال نفسه تظهر أنه كان مزنّرًا بحزام قنابل يدوية يقاتل في الميدان، وألقى قنبلة تجاه جندي إسرائيلي وأصابه بجراح بالغة قبل استشهاده، مثلما كان يحاول بحجر وعصا تعطيل المسيّرة التي أدخلها الجنود الذين خافوا دخول البيت وقصفوه من بعد بقذيفة دبابة.

فيما يستمر نتنياهو بالتهرب والتضليل، بحثًا عن إطالة أمد الحرب استبعادًا ليوم الحساب الإسرائيلي وتشكيل لجنة تحقيق رسمية، وكي يبقى في سدة الحكم وفي التاريخ، تستمر الاحتفالية الإسرائيلية باستشهاد السنوار في سلوك قبلي مقزّز من قبل السياسيين والصحفيين، وصلت حدّ رفع أنخاب الويسكي، كما فعل عددٌ من المقدمين في القناة 12 العبرية، وقيام مقدمين آخرين بتوزيع الحلوى شماتة باستشهاد السنوار. هذا المشهد المقزز دفع حتى النائبة عن “العمل” سابقًا شيلي يحيموفيتش للتعبير عن اشمئزازها الشديد من توزيع الحلوى بقولها، في مقال تنشره “يديعوت أحرونوت” اليوم: “مشاعر الانتقام مشاعر إنسانية، وبالتأكيد عند الحديث عن شخص أنزل على إسرائيل ضربة موجعة، لكن عندما تشترك أمة كاملة في الطقوس، نحن مجرد بربر يختبرون حالة انتشاء مؤقتة ستكون بعدها سقطة مؤكدة”.

المصدر / القدس العربي

  

المحتوى ذو الصلة