[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
ثمّة حكايا ومرويات إنسانية ضاربة في عمق الضمير تسطرها غزة إن كان صمودًا أو شهادة، حياة أو موتًا، دموعًا أو فرحًا، نجاةً من قصفٍ أو إصابةً وجرحًا، نازفًا غارقًا بدمائك، أو منقذا ومطببًا لجراحك، فالقصة واحدةٌ وإن تعددت الأسماء، لكنّ تلك القصة التي سطرها الطبيب الفلسطيني الشاب مصطفى النجار، ستبقى خالدة ويرويها في سجلّ الشهداء الخالدين الأحياء.
كان النجار – رحمه الله – يروي حكاية نجاته من القصف الصهيوني أربع مراتٍ متتاليةٍ، لكنّه لم يعلم أنّ الخامسة ستكون طريقه إلى عليين حيث يرتقي الشهداء الكرام لرضوان الله ورحمته، ليصير هو “الحكاية” وليس الراوي.
وروى الطبيب مصطفى النجار شهادة موثقة عن نجاته للمرة الأولى من الاستهداف والموت، وثم نجى منه ثلاث مرات أخرى، لكنه استشهد في المرة الخامسة بتاريخ 6 فبراير 2024.
يقول رحمه الله: كانت المرة الأولى للاستهداف عندما كنا في طريق عودتنا إلى المدرسة التي نزحنا إليها في بداية الحرب أنا وأمي وبرفقتنا زوجة أخي وأطفالها الصغار بعدما قضينا يومًا طويلاً في منزل أختي التي لاقت ربها شهيدة هي وعائلتها الصغيرة في استهداف آخر لمنزلهم، حيث كانت أمي وزوجة أخي تسبقاني بمسافة صغيرة لا تتعدى الخمسة أمتار، وكان ابن أخي محمد يركض أمامنا، وفجأةً وللمرة الأولى إذ بشيء قوي يدفعنا للخلف بقوة، وكان هذا الشيء عبارة عن هواءٍ قوي يصحبه غبار كثيف؛ ومن ثم رأيت ألسنة من اللهب والنيران تنتشر في المحيط، ورأيت حجارة تتساقط علينا لكنني لم أشعر بها؛ ومن ثم صفير في أذناي، كل هذا الشيء حدث في ثواني قليلة لا تتعدى الثلاث ثواني، أدركت أننا استهدفنا، وأنني ما زلت على قيد الحياة.
ويتابع النجار بالقول: لكنني حين فتحت عيناي لم أرى أمي، كل شيء رأيته كان عبارة عن غبار ودخان خانق، حاولت أن أقف على قدمي، لكنني لم أستطع في بداية الأمر، أعدت المحاولة ونجحت في ذلك، لكنني كنت في حالة من عدم التوازن والسبب كان هو إصابتي في رأسي”.
وإن كان العدوان الصهيوني الغادر، حرم النجار من رواية بقية القصة لنجاته، فقد ترك إرثا من الحب والتضحية كطبيب عاش قضية شعبه وواصل المقاومة في إنقاذ الجرحى والمصابين وتطبيبهم حتى آخر لحظة وآخر نفس قبل أن يرتقي شهيدا.
الحزن يجتاح مواقع التواصل
وعبر ناشطون فلسطينيون عن حزنهم الشديد إزاء استشهاد النجار، متداولين آخر التدوينات التي كتبها في صفحته عبر منصة “إكس”.
وكان الطبيب الشاب تحدث عن نجاته أربع مرات من الموت المحقق، بفعل الغارات الإسرائيلية، علما أن إحدى شقيقاته استشهدت في العدوان الذي خلف أكثر من 27 ألف شهيد.
وكتب الشهيد النجار في آخر تدوينة قبل دقائق من استشهاده: “لا يجتمع غبارٌ في سبيلِ الله ودخان جهنّم في جوف عبدٍ أبدًا . محمّد ﷺ”.
كما نعى النجار قبل ساعات من استشهاده، صديقه المسعف فؤاد أبو خماش، الذي استشهد بالغارات على قطاع غزة رفقة مسعفين آخرين.
وثق ألمه وجرح غزة بتدويناته
وقبل أسبوع من استشهاده، كتب مصطفى النجار: “أيوبُ ناءَ بجُرحهِ مُتضرعاً، وأنا بلادي كُلُّها أيوبُ”.
وكتب الراحل مصطفى النجار كلمات مؤثرة حول الوضع المأساوي في قطاع غزة، إذ قال: “هل من ميتة غير التي تقسم وجهك كتلة اسمنتية ضخمة؟ أو أن تموت ببطء عالقاً بين الركام تسمعهم يحاولون الوصول إليك ويعجزون؟ يموت الناس عادة يالله في أسرتهم دافئين، أو كهولاً ملوا من الحياة ونعيمه، أما نحن فنموت قبل أن نحيا، نموت أطفالاً لا نذكر من الدنيا سوى الجوع والحصار والهلع !”.
وتابع: “نموت جوعى في عالم تفيض قمامته بالطعام، تصعد أرواحنا إليك وقلوبنا ترف خوفاً على ذوينا وأصدقائنا لا أنفسنا”.
“}]]