واشنطن / PNN – نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرًا أعدته سوزان حيداموس وجون هدسون قالا فيه إن إسرائيل تعد خطة وقف إطلاق النار كهدية للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب.
وفي التقرير، الذي قالت الصحيفة إنه حصري، جاء أن مساعدًا مقرّبًا من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أخبر ترامب وصهره جاريد كوشنر أن إسرائيل تعمل على خطة وقف إطلاق النار في لبنان، وذلك حسب ثلاثة مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين اطّلعوا على الاجتماع، بهدف تقديم إنجاز مبكّر في السياسة الخارجية للرئيس المنتخب.
وكان مقرّ ترامب في مار إي لاغو بفلوريدا أول محطة لرون ديرمر، وزير الشؤون الإستراتيجية في حكومة نتنياهو، في جولته في الولايات المتحدة، يوم الأحد، قبل السفر إلى البيت الأبيض لإطلاع مسؤولي إدارة بايدن بشأن المحادثات. وهي علامة على مدى سرعة تحوّل مركز الثقل السياسي لأمريكا بعد فوز ترامب في الانتخابات. وقال مسؤول إسرائيلي: “هناك تفاهم بأن إسرائيل ستقدّم هدية ما لترامب، وأن هناك تفاهمًا بشأن لبنان بحلول كانون الثاني/يناير”.
نبيه بري: هل هناك عاقل يعتقد أننا سنوافق على تسوية أو حلّ يخدم المصالح الإسرائيلية على حساب المصالح اللبنانية والسيادة!
وقال المتحدث باسم ديرمر لـ “واشنطن بوست” إنه ناقش مجموعة واسعة من القضايا خلال رحلته، لكنه لم يوضح.
ورفض مكتب نتنياهو والمتحدث باسم ترامب التعليق، وكذا لم يرد المتحدث باسم كوشنر على طلب للتعليق. وقال ترامب إنه يريد وقف حروب الشرق الأوسط، لكنه أخبره، في الشهر الماضي، بمكالمة هاتفية: “اعمل ما يجب عمله” ضد “حزب الله” و”حماس”.
ومن غير الواضح ما هو التأثير، إن وُجد، للاقتراح اللبناني الذي نوقش في مار إي لاغو على محادثات وقف إطلاق النار المتوقفة، وإطلاق سراح الأسرى في غزة.
وقال فرانك لوينشتاين، المبعوث الخاص السابق للمفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية في عهد الرئيس باراك أوباما، والذي عمل خلال فترة الانتقال إلى إدارة ترامب الأولى: “لا يوجد لدى نتنياهو ولاء لبايدن، وسيركّز بالكامل على كسب ودّ ترامب”.
وأضاف أنه إذا كان عام 2016 مؤشرًا، فـ “لن يتردد ترامب في التصرّف وكأنه رئيسٌ بالفعل عندما يرى فرصة”.
وقال نتنياهو، في كلمة مسجّلة بالفيديو، يوم الأحد، إنه تحدّثَ مع ترامب ثلاث مرات منذ انتخابه، وأنهما وافقا على “وجود فرصة كبرى تنتظر إسرائيل لتحقيق السلام”. وهو تصريح لافت للنظر يأتي بعد أكثر من عام من الحرب المدمرة في غزة، وستة أسابيع من الحرب في لبنان.
وتقول الصحيفة إن نتنياهو كان يخطط لمرحلة جديدة في واشنطن، قبل وقت طويل من يوم الانتخابات في 5 تشرين الثاني/نوفمبر، حسب مسؤول إسرائيلي. كما كان ديرمر على اتصال مستمر مع كوشنر الذي عمل مستشارًا لترامب في ولايته الأولى، ولديه علاقات تجارية مع دول عربية.
وقال المسؤولون الإسرائيليون، يوم الأحد، إن المحادثات في مقر إقامة ترامب ركزت على مقترح إسرائيلي لوقف إطلاق النار بتعاون غربي وروسي.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي إن هناك خططاً يتم العمل عليها لزيادة العمليات البرية في لبنان إذا انهارت المحادثات في نهاية المطاف.
ويقول مسؤولون إسرائيليون إن شروط الصفقة قيد المناقشة تقضي بانسحاب مقاتلي “حزب الله” إلى ما وراء نهر الليطاني، أي الحافة الشمالية لمنطقة عازلة تراقبها الأمم المتحدة، والتي أنشئت بعد صراع عام 2006 بين إسرائيل و”حزب الله”.
ومنذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، وفي أعقاب الهجمات التي شنتها “حماس” على إسرائيل، استخدم مقاتلو “حزب الله” المنطقة كنقطة انطلاق لإطلاق آلاف الصواريخ والقذائف على إسرائيل، ما أسفر عن مقتل 45 إسرائيليًا و31 جنديًا وإجبار حوالي 60,000 شخص على ترك منازلهم.
وأدّت الحملة العسكرية في لبنان إلى نزوح مليون شخص تقريبًا. وبحسب وزارة الصحة اللبنانية، فإن أكثر من 3,300 شخص قتلوا منذ بداية الحرب. وقال “حزب الله” إن نحو 500 من مقاتليه سقطوا في المواجهات. وقتل أكثر من 40 جنديًا إسرائيليًا في معارك برية، منذ الأول من تشرين الأول/أكتوبر، بمن فيهم ستة يوم الأربعاء. وقال شخص مقرّب من “حزب الله” إن الجماعة ستكون على استعداد لسحب مقاتليها شمال الليطاني كجزء من وقف إطلاق النار المؤقت. وقال المسؤول الإسرائيلي إن الجيش اللبناني سيتولّى السيطرة على المنطقة الحدودية لفترة أولية مدّتها 60 يومًا، بإشراف الولايات المتحدة وبريطانيا.
وقال لوينشتاين إن نتنياهو قد يكون يهدف إلى اتفاق مؤقت مع بقاء بايدن في منصبه، تاركًا التسوية النهائية لترامب لينسب الفضل إليه.
وقال: “الشيء الوحيد الذي يهتم به نتنياهو أكثر من ترامب هو سياسته الداخلية، وإعادة المدنيين الإسرائيليين إلى الشمال هو هدف رئيسي قد لا يرغب في انتظاره”.
وتقول الصحيفة إن الخطوط العريضة للاتفاقية التي تتشكّل تشبه تلك الموجودة في جولات سابقة من المفاوضات، وتتماشى مع رغبة ترامب المعلنة في إنهاء حرب إسرائيل متعددة الجبهات، لكن الخطة لم تقدم رسميًا بعد إلى “حزب الله”، حسب المسؤولين.
ويدعو الاقتراح إلى تمكين الجيش الإسرائيلي من العمل عبر الحدود في حالة حدوث انتهاكات، وهو أمر غير مقبول بالنسبة للمسؤولين اللبنانيين. وعبّرَ رئيسُ مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، الذي يتوسّط نيابةً عن “حزب الله”، يوم الثلاثاء: “هل هناك عاقل يعتقد أننا سنوافق على تسوية أو حلّ يخدم المصالح الإسرائيلية على حساب المصالح اللبنانية والسيادة”.
وقال الشخص المقرّب من “حزب الله” إن شروط الجماعة للتقدّم باتجاه وقف إطلاق النار واضحة: “يجب منع إسرائيل من القيام بعمليات داخل الأراضي اللبنانية”.
لكن نتنياهو، المتهم من ناقديه بتوسيع مجال الحرب خدمة لهدفه السياسي، وبعد أن حمّله منتقدوه مسؤولية الإخفاق الأمني في 7 تشرين الأول/أكتوبر، يبدو أنه يراهن على أن اللحظة السياسية ناضجة لتحقيق اختراق.
وقال إسرائيل زيف، رئيس مديرية العمليات السابق في الجيش الإسرائيلي، والذي لا يزال على اتصال بأعضاء بارزين في المؤسسة الأمنية: “كانت هذه صفقة انتظر نتنياهو تقديمها لترامب”، في إشارة إلى استعادة “حزب الله” توازنه وقوته في الأسابيع الأخيرة، وقتل المزيد من الجنود الإسرائيليين في الجنوب، بعد سلسلة من الضربات القاتلة لقيادته العليا وشبكة اتصالاته.
وبعد زيارته إلى مقرّ ترامب الخاص في مار إي لاغو، التقى ديرمر، يومي الإثنين والثلاثاء، بمسؤولي بايدن في واشنطن، بما في ذلك عاموس هوكشتاين، المبعوث الخاص للرئيس إلى لبنان، وذلك حسب قول مسؤول أمريكي كبير. وأشار المسؤول إلى أن نتنياهو لا يزال منخرطًا مع الإدارة في عملية وقف إطلاق النار في لبنان. وقال مسؤول أمريكي ثان إن كل العمل على صفقة محتملة لا يزال يجري من قبل فريق ترامب، وإن تقدمًا قد تحقّق.
وتظهر مشاورات نتنياهو مع ترامب، قبل الانتخابات وبعدها، مدى رهانه على نتائج التصويت، ومدى حرصه على موازنة إستراتيجيّته مع إستراتيجية الإدارة الجديدة. لكن زيف قال إن رئيس الوزراء سيحتاج إلى الموازنة بين “نزوات” الرئيس المنتخب- وهو سياسي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته- وحسابات الأمن القومي، لأن ورقة “نفوذه هي ترامب” فقط.
قال نتنياهو إنه تحدّثَ مع ترامب ثلاث مرات منذ انتخابه، وإنهما وافقا على “وجود فرصة كبرى تنتظر إسرائيل لتحقيق السلام”
ويبدو أن هناك عاملًا جديدًا في خطة السلام الإسرائيلية للبنان: وهو روسيا، الدولة التي أدّت علاقاتها مع ترامب إلى تعقيد ولايته الأولى. وبحسب المسؤول الإسرائيلي، فإن الاقتراح يدعو موسكو إلى منع “حزب الله” من إعادة تسليح نفسه عبر الطرق البرية السورية، والتي كانت، لسنوات، القناة الرئيسية للأسلحة من إيران، الراعي الرئيسي للجماعة المسلحة.
وزار مسؤولون روس إسرائيل، في 27 تشرين الأول/أكتوبر، لمناقشة الخطة، حسب قول المسؤول الإسرائيلي. وقال المسؤولون الإسرائيليون والأمريكيون إن ديرمر قام بزيارة سرية إلى روسيا، الأسبوع الماضي، لمتابعة النقاشات. ولم ترد وزارة الخارجية الروسية على طلب للتعليق. وقال المسؤول الأمريكي إن روسيا لن تشارك في تنفيذ أو الإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار.
وفي ما يتعلق بالادعاءات المتنافسة بشأن تورط موسكو، قال لوينشتاين: “من المحتمل أن يكون كلاهما صحيحًا: لا دور للروس الآن في عهد بايدن، ولكن سيكون لهم دور كبير عندما يتولى ترامب منصبه لاحقًا”.
وقد حافظت روسيا، حليفة إيران، على وجودها في سوريا منذ تدخّلها خلال الحرب الأهلية في البلاد لدعم رئيس النظام السوري بشار الأسد، حيث عملت جنبًا إلى جنب مع “حزب الله” لسحق الانتفاضة المسلحة ضد حكومته بوحشية.
والآن، يبدو أن إسرائيل تعتمد على روسيا للضغط على بشار الأسد لقطع خطوط إمدادات “حزب الله”. وقال الشخص المقرب من الجماعة اللبنانية إن “حزب الله محاصر”. وتعتقد إسرائيل أن القوة القتالية لعدوها قد ضعفت إلى حد قبوله التسوية. وقال زيف إنه إذا قبل “حزب الله” الصفقة، فسوف تدخل حيز التنفيذ “بسرعة كبيرة، حيث توجد توقعات بأن محاولات انتهاكها ستكون فورية أيضًا”.
وبالتوازي مع جهود ديرمر، يحضّر الجيش الإسرائيلي للمرحلة الثانية من العملية البرية، حسب مسؤول عسكري إسرائيلي، تحسبًا لانهيار المحادثات.
وواصل الطيران الإسرائيلي دكّه للمدن والبلدات اللبنانية في الأيام الماضية. وقال مسؤول عسكري إسرائيلي: “لقد جردنا حزب الله من قدرته على ضربنا”، كما في الماضي.
وأكد كلٌّ من الجيش الإسرائيلي و”حزب الله” أن ساحة المعركة تظل الجبهة الرئيسية في المفاوضات.
وقال رئيس الوزراء اللبناني المؤقت نجيب ميقاتي، يوم الإثنين، إن ساحة المعركة هي العامل الوحيد القادر على “تغيير المعادلات السياسية”.
المصدر / القدس العربي