إعداد: أ. د. وليد عبد الحي.[1]
(خاص بمركز الزيتونة)
مقدمة:
تشكل وسائل الإعلام بأشكالها المختلفة (المقروءة، والمسموعة، والمرئية) القديمة والمعاصرة، الأداة الأكثر تأثيراً في توجهات الرأي العام في أي بلد أو إقليم أو على مستوى المجتمع الدولي ككل، ودون الدخول في تفاصيل نظريات الإعلام، فإن وظيفته تنحصر في ثلاثة أبعاد مركزية هي:[2]
التأطير الذهني Framing: أي صناعة إطار معرفي يجعل المتلقي يفكر من خلاله، ويتشكل هذا الإطار من تعريف المشكلة المطروحة بكيفية معينة (فهناك فرق بين تعابير معينة لوصف ظاهرة معينة مثل: حرب غزة، وهجوم حماس الإرهابي، وطوفان الأقصى، وهجوم قوات المقاومة الفلسطينية، والسيوف الحديدية…إلخ)، ثم محاولة “إسرائيل” تكريس تفسير معين للظاهرة موضوع البحث (مثل إن سبب الحرب في غزة هو هجوم المقاومة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر)، ثم إضفاء “تقييم أخلاقي أو منظور معياري” على الموضوع المطروح (مثل إرهاب، مقاومة، دفاع عن النفس، عدوان…إلخ)، ثم اقتراح حلول للمشكلة أو توصيات (حلّ الدولتين، احتلال غزة، تهجير سكانها إلى سيناء أو إلى الشتات…إلخ)، أي أن التأطير الذهني يعني تشكيل منظومة معرفية حول موضوع معين بطريقة يتم من خلالها توجيه المتلقي دون أن يدرك، في اتجاهات يريدها صانع الإطار الذهني.
تحديد أدوات معينة لتقييم الظاهرة أو تداعياتها priming: اي جعل المتلقي يتبنى معايير لتقييم الموضوع (مثل صعوبة تجنب إيقاع الأذى بالمدنيين في حروب المدن، أو أن المقاومة تطلق صواريخها من بين المدنيين، أو أن إيران هي التي طلبت إشعال هذه الحرب، أو أن الفكر الإسلامي فكر عنيف…إلخ).
تغييب او استحضار موضوعات معينة دون غيرها agenda-setting: أي أن الدولة إذا واجهت مشكلة معينة فإنها تثير موضوعات لتزحزح انتباه الرأي العام من منظور لا تريده إلى منظور تسعى لتكريسه، مثل تغييب تأثير الاحتلال على المجتمع الفلسطيني، التأكيد على التطبيع كدليل على تفهم العرب لحق “إسرائيل” في الوجود، تغييب الحديث عن قرارات الأمم المتحدة المساندة للحقوق الفلسطينية، التذكير بوقائع معينة دون غيرها…إلخ.
وقد جرى تحول كبير في فاعلية أدوات هذه “المراحل الثلاث”، وتتجلى أهم مؤشرات التحول في الانتقال من الاحتكار (الرسمي أو النخبوي أو المؤسسي) إلى المشاركة من أي فرد (من الديموقراطية الحبيسة إلى الديموقراطية الطليقة)،[3] ففي الفترات السابقة كان الإعلام خصوصاً السياسي محتكر في أجهزة الدولة، أو من خلال أداة محددة تمارس فيها النخبة دوراً إعلامياً، إلى جانب مؤسسات خاصة تتبع شركات أو مؤسسات مالية أو غيرها، وكانت السمة العامة هي أن أغلب أفراد المجتمع ينتمون لشريحة المتلقي، وهو ما يساعد الاحتكار الرسمي أو النخبوي أو المؤسسي الخاص على “تأطير” العقل الجمعي بكيفية أو أخرى، وتوجيه ردود أفعاله وتداعياتها باتجاه محدد. لكن ثورة وسائل التواصل الاجتماعي بأشكالها المتعددة جعلت العالم ينتقل من مرحلة الاحتكار إلى مرحلة المشاركة العامة، فأصبح المتلقي منتجاً للخبر أو الصورة أو المقال أو الفيديو، وأصبح نقل الخبر أكثر سرعة وأكثر انتشاراً،[4] ومن هنا لم يعد هناك قدرة على الاحتكار وتكييف ردات فعل المتلقي طبقاً لمضمون ما ينشره أو يبثه المحتكر، وهنا أصبح الإعلام أكثر ديموقراطية، وضاق المجال على الرواية “المصنوعة من قبل المحتكر”. وقد كشفت دراسات متخصصة،[5] أن توجهات الرأي العام في الدول الغربية لها تأثير واضح على “الخطاب السياسي” للسياسيين الغربيين، وأنهم يعدلون من نصوصهم السياسية بما يضمن لهم تأييد الشارع لهم.
بناء على ما سبق، تحاول هذه الدراسة تطبيق التحول السابق في الميدان الإعلامي على الرأي العام الشعبي في العالم، من خلال رصد مدى التحول في موقف الرأي العام الدولي بعد عملية “طوفان الأقصى” التي بدأت يوم 7/10/2023، وما تزال متواصلة حتى الآن.[6]
أولاً: استراتيجية “إسرائيل” وحلفاؤها في التعامل مع العملية العسكرية للمقاومة:
عند رصد أدبيات الإعلام الإسرائيلي في عرض العملية، نجد التعاون بين الخبراء الإسرائيليين والغربيين، خصوصاً ممن لهم صلات سابقة بالشرق الأوسط، في تحديد الاستراتيجية الإعلامية لكسب الرأي العام الدولي، وهو ما يتضح في تأكيدهم على مقتضيات نجاح الإعلام الإسرائيلي في كسب الرأي العام الدولي في ظلّ كسر احتكار الرواية الذي كان سابقاً، وهو ما يستوجب التنبه له والإعداد للرد عليه على النحو التالي:[7]
تكرار “إسرائيل” أن هجوم المقاومة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر لم يسبقه أي استفزاز إسرائيلي أو أي عمل عدائي تجاه غزة، وذلك يستهدف تكريس فكرة أن المقاومة هي التي افتعلت الحدث، وبالتالي يجب أن توجه لها الإدانة.
بالمقابل يجب أن يركز الإعلام الفلسطيني في هذه النقطة على السياسة الإسرائيلية قبل العملية، والتأكيد على أن طوفان الأقصى هي رد على السياسة الإسرائيلية الرافضة لكل مبادرات “السلام” التي طرحها الفلسطينيون والمجتمع الدولي، فقد مضى على حصار غزة بشكل كامل 16 عاماً، ناهيك عن إغلاق مطارها وتعطيل موانئها ومنع صياديها من ممارسة الصيد البحري في مياه غزة الإقليمية، وتحليق الطيران في سمائها بشكل مستمر، والاعتداءات المتكررة على مواطنيها، إضافة إلى استمرار الاستيطان في الضفة الغربية، والاعتقالات، وهدم البيوت، والانتهاك الدائم لمقدسات المسلمين الفلسطينيين في الأقصى وغيره من الأماكن الإسلامية والمسيحية.
التركيز في الدعاية الإسرائيلية على أن الهدف المركزي للهجوم الإسرائيلي هو “المقاومة – الإرهاب” وليس الشعب الفلسطيني أو السلطة الرسمية الفلسطينية.
وهنا من الضروري التأكيد على أنه إذا كان الهجوم فقط على حركة حماس في غزة، فلماذا تمّ قتل مئات الفلسطينيين، واعتقال الآلاف، وهدم البيوت، ومصادرة المنازل أو هدمها في الضفة الغربية والقدس خلال العمليات الإسرائيلية في غزة وقبلها، علماً أن حماس ليس لها وجود مؤسسي أو بنيوي في الضفة الغربية.
تحاول الرسالة الإعلامية الإسرائيلية إقناع الرأي العام الدولي بضرورة التعامل مع المواجهة مع الفلسطينيين على أساس أن هناك صراعاً ثقافياً بين الطرفين،[8] ويجب توظيف ذلك من خلال اعتبار المقاومة الفلسطينية امتداداً “للتطرف والإرهاب الإسلامي، واستمرار تكرار التذكير بداعش والقاعدة والهجمات على المدنيين في أوروبا و”إسرائيل” ودول عربية وإسلامية و11 سبتمبر…إلخ.
في هذه النقطة، يجب التركيز في الإعلام الفلسطيني على جميع أقوال الوزراء المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية مثل إيتمار بن غفير Itamar Ben-Gvir وبتسلئيل سموتريش Bezalel Smotrich ورجال الدين الإسرائيليين خصوصاً حول تهجير الفلسطينيين وحول وصف الوزراء للفلسطينيين بالحيوانات، واقتراح إعدام المعتقلين الفلسطينيين المطروح حالياً في الكنيست Knesset، وعلى عدد المعتقلين الذين يموتون في السجون الإسرائيلية، وعدد الموقوفين إدارياً دون توجيه أي تهم لهم.
محاولة تكريس الإعلام الإسرائيلي فكرة أن غزة ليست محتلة، وأن “إسرائيل” انسحبت منها سنة 2005. وهنا من الضروري العمل على طرح فكرة أن هناك علاقة ما بين سياسات بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyahu ضدّ الفلسطينيين وبين رغبته في امتصاص الاحتقان الداخلي ضده، وأن رفضه لوقف إطلاق النار ورفضه رفع الحصار هو محاولة منه لتحقيق نجاح عسكري ليعيد الثقة به بعد أن دلت استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي على تراجع شعبيته وشعبية حزبه تراجعاً كبيراً.[9]
اعتبار الإعلام الإسرائيلي أن معركة “إسرائيل” في غزة هي امتداد للسياسة الغربية في أوكرانيا، حيث العمل في الجبهتين على مواجهة المعسكر المعادي للقيم الليبرالية الغربية. وهنا يجب الرد على ذلك بالتنبيه إلى أن أغلب الدول الغربية أصبحت أكثر ميلاً لفرض هدنة إنسانية في غزة، بل إن بعضهم يطالب بوقف القتال، لكن “إسرائيل” لم تستجب لكل هذه الدعوات، والدليل على ذلك التصويت في الأمم المتحدة، وهو ما يعزز أن “إسرائيل” لا تراعي مصالح الدول الغربية بمقدار مراعاة تلك الدول للمصلحة الإسرائيلية، وهي أفكار بدأت تتردد في الكتابات الغربية منذ 2010 خصوصاً في الولايات المتحدة.[10]
تروج “إسرائيل” بأن الحرب ليست لإعادة احتلال غزة أو تهجير سكانها بل لتدمير القدرة العسكرية لحماس، وأن “إسرائيل” لا تريد إعادة احتلال غزة. وفي مواجهة هذا الادعاء لا بدّ من إعادة التذكير بآراء الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي جيورا آيلاند Giora Eiland عن التهجير من الضفة الغربية وغزة، بل وبعض الاقتراحات بالتخلص من فلسطينيي الأراضي المحتلة سنة 1948.[11]
تروج الدعاية الإسرائيلية أن حماس اغتصبت السلطة وتقيد الحريات وتفرض أيديولوجيتها الدينية على المجتمع الفلسطيني بشكل قسري. وهنا لا بدّ من العودة إلى التذكير بنتائج انتخابات 2006 وفوز حركة حماس، وهو ما أثار ردة فعل غاضبة في “إسرائيل” أخذت طابع التحريض على الحركة، وتأكيد “إسرائيل” على أهمية التنسيق الأمني مع السلطة لخنق الحركة وحصارها.
على “إسرائيل” أن تكبح تصريحات بعض وزرائها المتطرفين أو تعمل على عدم تداولها كغيرها من التصريحات السياسية الرسمية الإسرائيلية الأخرى. وهنا يتوجب الأمر موقفاً معاكساً، وهو ترويج هذه التصريحات ونشرها وعقد الندوات والحلقات التلفزيونية لمناقشتها.[12]
التأكيد الإعلامي الإسرائيلي المتواصل على أن “إسرائيل” “حريصة على حياة الفلسطينيين”، وهذا ما يستدعي بث ونقل أكبر عدد من الصور للهدم والقتل والتضييق على حركة المواطنين، ومنعهم من الوصول لمقرات عملهم، ورفض التعاون مع المنظمات الدولية لتحسين ظروف الحياة للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، خصوصاً منظمات حقوق الإنسان ووكالات الإغاثة الدولية ومنظمة العفو الدولية، بل والهجوم الإعلامي على الأمين العام للأمم المتحدة. ويكفي تعميم المؤشرات التالية لتأكيد الوضع غير الإنساني في الأراضي غير المحتلة، طبقاً لاستطلاعات رأي عام المجتمع الفلسطيني التي أجرتها مؤسسات بحثية أمريكية:[13]
ثانياً: التحول في الرأي العام الدولي مع طوفان الأقصى:
لقد تنبهت “إسرائيل” إلى خطورة التحولات التي أشرنا لها في مجال انتقال الإعلام من الاحتكار إلى المشاركة الشعبية، وأدركت أان انتهاء الاحتكار الإعلامي أخذ يزعزع الصورة التي رسمتها لنفسها في الذهن الدولي، وأقر العديد من المسؤولين والكتّاب الإسرائيليين بذلك، وعند مراجعة التحولات في الرأي العام الدولي لصالح الفلسطيني يتبين سر القلق الإسرائيلي، وتتجلى هذه المظاهر في الآتي:[14]
يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت Naftali Bennett إن “التأييد الذي يحظى به الفلسطينيون في وسائل التواصل الاجتماعي الصينية يعادل 15 ضعف التأييد لإسرائيل”.[15]
التغير في توجهات الرأي العام في الولايات المتحدة خلال شهر تقريباً من وقوع طوفان الأقصى، ويتضح ذلك في المؤشرات التالية؛ خلال الفترة 12-13/10 – 2023/11/14:[16]
أ. تراجعت نسبة المطالبين بدعم “إسرائيل” من 41% (عند بداية معركة طوفان الأقصى) إلى 32% (بعد 41 يوم من المواجهة)، كما أن 68% من الأمريكيين يؤيدون وقف إطلاق النار خلافاً للموقف الرسمي الأمريكي والإسرائيلي، كما أن الذين طالبوا باتخاذ أمريكا موقفاً محايداً ارتفع من 27% إلى 39% في فترة القياس نفسها التي أشرنا لها.
ب. عند المقارنة بين تأييد إرسال السلاح لـ”إسرائيل” ولأوكرانيا، كانت النتائج على النحو التالي:
وهو ما يدل على أن نسبة التأييد لأوكرانيا أعلى بشكل واضح قياساً لـ”إسرائيل”.
ج. التاييد لـ”إسرائيل” بين الجمهوريين كان أعلى من نسبة التأييد بين الديموقراطيين بشكل واضح خصوصاً بين الشباب.
موقف اليهود في العالم ومشاركتهم في المظاهرات: من هم اليهود الذين يديرون ظهورهم لـ”إسرائيل”؟ كان هذا عنواناً لمقال في صحيفة يديعوت أحرونوت للكاتب الإسرائيلي أتيلا سومفالفي Attila Somfalvi الذي ذكر نصاً “إن الأكثر إثارة للدهشة هم اليهود الذين يشاركون في حملة تشهير ضدّ أمتهم التي تتعرض لهجوم بلا رحمة من قبل الوحوش البشرية، وإن الجهل التاريخي الصارخ المعروض يفطر القلب، ويجبرنا نحن اليهود على التفكير في كيفية وسبب هذا الواقع البائس”.[17]
أشار تقرير لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي The Institute for National Security Studies (INSS) إلى أن عدد المظاهرات المؤيدة لـ”إسرائيل” والفلسطينيين في العالم خلال الفترة 7-27/10/2023 هو على النحو التالي:[18]
أ. في الولايات المتحدة: جرت 182 مظاهرة مؤيدة لـ”إسرائيل” مقابل 402 مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ومعارضة لـ”إسرائيل”.
ب. عدد المظاهرات المؤيدة لـ”إسرائيل” في كل العالم خلال الفترة نفسها هي 359 مظاهرة، مقابل 3,482 مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين.
ج. تشير دراسة أخرى إلى أن عدد المظاهرات خلال الفترة نفسها كان 3,761 مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين مقابل 529 مؤيدة لـ”إسرائيل”، أي أن التاييد هو نحو 86% لصالح الفلسطينيين.[19]
تحليل مضمون للصحف والمواقع الإلكترونية (غير العربية وغير الإسلامية):[20] تمّ جمع 1,080 عنواناً لصحف ومواقع إلكترونية غربية أو آسيوية أو إفريقية أو أمريكية لاتينية، وتمّ تصنيف هذه العناوين على أساس مضمون العنوان من حيث دلالات العنوان؛ هل هو مؤيد لـ”إسرائيل” أو للفلسطينيين، وتمّ اختيار العينة عشوائياً، وبعد الفرز تبين أن:
أ. 726 عنواناً مؤيداً للفلسطينيين أي ما نسبته 67.2%.
ب. 317 عنواناً مؤيداً لـ”إسرائيل”، أي ما نسبته 29.3%.
ج. 37 عنواناً إما يؤيد الطرفين أو يعارضهما، أي ما نسبته 3.5%.
أدت عملية طوفان الأقصى إلى إعادة الموضوع الفلسطيني إلى صدارة القضايا الدولية بعد أن بدأت مشكلات دولية أخرى تؤثر على العناية بها، مثل الأزمة الأوكرانية، واحتمالات المواجهة الأمريكية والصينية حول تايوان. وتدل نتائج أحد استطلاعات الرأي التي أجريت خلال الفترة 20-23/10/2023، على النتائج التالية في المجتمع البريطاني:[21]
أ. قال 69% من المستجوبين أنهم يتابعون بقدر كبير مجريات الصراع حول غزة مقابل 62% يتابعون الموضوع الأوكراني.
ب. ذكر 74% من المستجوبين أنهم مهتمون بموضوع المدنيين الفلسطينيين مقابل 71% مهتمون بالمدنيين الإسرائيليين.
ج. وحول الدور البريطاني في الحرب طالب 37% منهم بموقف حيادي لبريطانيا، و16% يطالبون بعدم التدخل بأي شكل، وطالب 13% بتأييد “إسرائيل” مقابل 12% لتأييد الفلسطينيين. لكن الملفت للانتباه في هذه النتائج هو ما يلي:
تأييد من هم في عمر 18-34 عاماً الفلسطينيين بنسبة 23% مقابل 7% لـ”إسرائيل”.
أما من هم بين 55 و75 عاماً فيميلون لتأييد “إسرائيل” بنسبة 22% مقابل 4% للفلسطينيين.
ثالثاً: التداعيات المستقبلية لهذه النتائج:
يشير الاتجاه الأكبر في الصحافة الغربية وغير الغربية إلى أن “إسرائيل” خسرت معركة الحرب الإعلامية[22] في معركة طوفان الأقصى، بل إن أغلب تقارير المنظمات الدولية أو ما تنقله وسائل الإعلام المختلفة بدأت تأخذ الروايات الإسرائيلية بقدر كبير من التشكك، خصوصاً موضوعات المستشفيات وتبرير قتل المدنيين من الأطفال والنساء. وربما تتمثل أهم التداعيات لهذه النتائج في الآتي:
إن الصورة “الإرهابية” التي تقدمها “إسرائيل” للعرب أصبحت أقل قابلية للتصديق مع الارتفاع المتواصل في عدد الضحايا المدنيين من الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وهو ما يعني أن “إسرائيل” ستواجه في كل مرة تحاول تقديم نفسها بشكل إيجابي أو تقارن الطرف الفلسطيني بجهات متطرفة بالتشكك في رواياتها، في ظلّ الصورة الحالية للسلوك الإسرائيلي في غزة والتي أصبحت مرجعية في ذهن المتلقي.
يبدو أن التقارير العديدة من وسائل الإعلام الغربية والمنظمات الدولية تناقض الرواية الإسرائيلية حول “الوجود العسكري للمقاومة” في المستشفيات أو المدارس،[23] وهو ما سيعزز الشكوك مستقبلاً في الروايات الإسرائيلية.
إن السياسات الإسرائيلية عززت من وجهة النظر الغربية، على الرغم من محدوديتها حتى الآن، التي ترى أن “إسرائيل” أصبحت عبئا أكثر منها عوناً.[24]
من المؤكد أن عودة أي مسؤول إسرائيلي للحديث عن الهولوكوست Holocaust أو معاداة السامية سيتم تذكيره بما فعلته حكومته في غزة، وهو ما سيجعل “إسرائيل” أقل ميلاً لتكرار الحديث عن الهولوكوست لأنها مارست الممارسة نفسها، أي أن هذه الفكرة (الهولوكوست) لم تعد مجدية بالقدر الذي كانت عليه سابقاً، وهو ما بدأ الاعلام الغربي يشير له.[25]
دلت المؤشرات في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي على أن الأجيال الشابة (قادة المستقبل) هم أكثر تعاطفاً مع الموقف الفلسطيني، وهو أمر تعزز بشكل واضح في فترة ما بعد الطوفان، وهو ما يعني أن احتمالات التغير التدريجي في اتجاهات لا تتناسب مع السياسة الإسرائيلية أمر سيتزايد.
مع أن دراستنا هذه معنية بالرأي العام الشعبي، إلا أن التصويت في الأمم المتحدة، وبيانات الأمين العام للأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، وعدد الدول التي سحبت سفراءها أو احتجت على السياسة الإسرائيلية تجاه قطاع غزة يعزز من تحولات الرأي العام في هذه الدول بقدر ما.
_________________________________________________________________________
الهوامش
[1] خبير في الدراسات المستقبلية والاستشرافية، أستاذ في قسم العلوم السياسية في جامعة اليرموك في الأردن سابقاً، حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وهو عضو سابق في مجلس أمناء جامعة الزيتونة في الأردن، وجامعة إربد الأهلية، والمركز الوطني لحقوق الإنسان وديوان المظالم، والمجلس الأعلى للإعلام. ألَّف 37 كتاباً، يتركز معظمها في الدراسات المستقبلية من الناحيتين النظرية والتطبيقية، ونُشر له نحو 120 بحثاً في المجلات العلمية المحكّمة.
[2]Patricia Moy and Brandon Bosch, “Theories of public opinion,” in Paul Cobley and Peter J. Schultz (editors), Handbook of Communication Science. Vol. 1: Theories and Models of Communication (Berlin: De Gruyter Mouton, 2013), pp. 289-308, https://digitalcommons.unl.edu/cgi/viewcontent.cgi?article=1251&context=sociologyfacpub
[3] للتعرف على تفاصيل هذه التحولات انظر:
Steven Barnett, “What’s wrong with media monopolies?,” MEDIA@LSE Electronic Working Papers, No. 18, 2010, https://www.lse.ac.uk/media-and-communications/assets/documents/research/working-paper-series/EWP18.pdf
[4] For news organizations, the flood of Gaza war video is proving both illuminating and troubling, site of The Associated Press (AP), 13/11/2023, https://apnews.com/article/ai-gaza-war-video-media-news-c5e23399d190b3b1161eee90ee055ceb
[5] Anselm Hager and Hanno Hilbig, “Does Public Opinion Affect Political Speech?,” American Journal of Political Science, Midwest Political Science Association, Vol. 64, No. 4, October 2020, pp. 921–937, https://www.dropbox.com/s/n64g1pvs28iot39/16_Hager_Hilbig_AJPS_speech.pdf?dl=0
[6] تمت كتابة هذه الدراسة في 21/11/2023.
[7] Robert Satloff and Dennis Ross, How Israel can win the other Gaza battlefield: public opinion, site of The Hill, 2/11/2023, https://thehill.com/opinion/international/4290135-how-israel-can-win-the-other-gaza-battlefield-public-opinion; and Dina Shehata, Western media and public opinion and Israel’s war on Gaza, site of Ahram Online, 25/10/2023, https://english.ahram.org.eg/News/510886.aspx
[8] The culture war over the Gaza war, site of The Economist, 28/10/2023, https://www.economist.com/international/2023/10/28/the-culture-war-over-the-gaza-war
[9] Israeli opposition leader says time has come to replace Netanyahu, site of Reuters, 16/11/2023, https://www.reuters.com/world/middle-east/israeli-opposition-leader-says-time-has-come-replace-netanyahu-2023-11-16; and Yossi Verter, Disillusioned, Disappointed and Angry, Even Netanyahu’s Own Party Is Starting to Turn on Him, site of Haaretz newspaper, 17/11/2023, https://www.haaretz.com/israel-news/2023-11-17/ty-article/.premium/disillusioned-disappointed-and-angry-even-netanyahus-own-party-starts-to-turn-on-him/0000018b-d9a0-d168-a3ddfa7e0f0000
[10] Major Keith Tighe, “Israel: Strategic Asset or Strategic Liability?,” Submitted in Partial Fulfillment of the Requirements for the Degree of Master of Military Studies, 2013, https://apps.dtic.mil/sti/tr/pdf/ADA602527.pdf; and Anthony H. Cordesman, Israel as a Strategic Liability?, site of Center for Strategic and International Studies (CSIS), 2/6/2010, https://www.csis.org/analysis/israel-strategic-liability
[11] Giora Eiland, “Rethinking the Two-State Solution,” Policy Focus #88, The Washington Institute for Near East Policy, September 2008, https://www.washingtoninstitute.org/media/3445
[12] Israeli minister condemned for claiming “no such thing” as a Palestinian people, site of The Guardian newspaper, 20/3/2023, https://www.theguardian.com/world/2023/mar/20/israeli-minister-condemned-claiming-no-such-thing-as-a-palestinian-people-bezalel-smotrich
[13] Palestinians in Gaza at Risk Before Israel-Hamas War, site of Gallup, 2/11/2023, https://news.gallup.com/poll/513662/palestinians-gaza-risk-israel-hamas-war.aspx
[14] Israeli poll finds 49% support for holding off on Gaza invasion, Reuters, 27/10/2023, https://www.reuters.com/world/middle-east/israeli-poll-finds-49-support-holding-off-gaza-invasion-2023-10-27/; Laura Santhanam, Poll: Majority of Americans sympathize with Israel but growing number say military response in Gaza ‘too much’, site of PBS NewsHour, 15/11/2023, https://www.pbs.org/newshour/world/poll-majority-of-americans-sympathize-with-israel-but-growing-number-say-military-response-in-gaza-too-much; and Sympathy for Israel Has Evaporated, All Eyes Are on Ceasefire Now, site of The Wire, 21/11/2023, https://thewire.in/world/sympathy-for-israel-has-evaporated-all-eyes-are-on-ceasefire-now
[15] Israel losing support from global public amid its relentless attacks on Gaza, site of Anadolu Agency, 20/11/2023, https://www.aa.com.tr/en/middle-east/israel-losing-support-from-global-public-amid-its-relentless-attacks-on-gaza/3059070
[16] US public support for Israel drops; majority backs a ceasefire, Reuters, 15/11/2023, https://www.reuters.com/world/us-public-support-israel-drops-majority-backs-ceasefire-reutersipsos-2023-11-15
[17] Israel losing support from global public amid its relentless attacks on Gaza, Anadolu Agency, 20/11/2023; and Who are the Palestinian and Jewish-led groups leading the protests against Israel’s action in Gaza?, PBS NewsHour, 16/11/2023, https://www.pbs.org/newshour/politics/who-are-the-palestinian-and-jewish-led-groups-leading-the-protests-against-israels-action-in-gaza
[18] Israel at War: An Overview, site of The Institute for National Security Studies, https://www.inss.org.il/publication/war-data
[19] Mapping the conflict in Israel and Gaza, Reuters, 15/11/2023, https://www.reuters.com/graphics/ISRAEL-PALESTINIANS/MAPS/movajdladpa/2023-11-15/after-days-long-siege-israeli-forces-enter-al-shifa-hospital
[20] تمّ جمع هذه العناوين خلال الفترة 11/10/2023-1/11/2023، وتمّ وضع عبارة “Gaza Current War” على الإنترنت، ثم تمّ أخذ عنوان المقال أو الموقع الإلكتروني الذي يظهر، ثم الاطلاع على مضمون المقال أو الخبر أو التقرير…إلخ، لتحديد مدى تطابق العنوان مع المحتوى للتأكد من توجه المقال، ثم تمّ تصنيف العنوان مع أو ضدّ طرفَي الحرب، ثم تمّ جمع عدد المؤيدين والمعارضين لكل من الطرفين، وبلغ عدد العناوين 1,080 عنواناً، وتمّ استبعاد أي موقع أو صحيفة تصدر في دولة عربية أو إسلامية بهدف معرفة الرأي العام من خارج هذه المجموعة.
[21] أجرى الاستطلاع المعهد العام لاستطلاعات الرأي القطاعي، ومقره باريس. انظر:
Israel/ Gaza conflict: 7 in 10 Britons concerned about plight of civilians on both sides, site of Ipsos, 27/10/2023, https://www.ipsos.com/en-uk/israel-gaza-conflict-7-10-britons-concerned-about-plight-of-civilians-on-both-sides; and How public opinion on the Israel-Hamas war has shifted, site of Financial Times newspaper, 21/11/2023, https://www.ft.com/content/6bf4f6ed-b705-4e66-ac6f-59b5ef6c0c77
[22] David Ignatius, Opinion: An inside look at what’s ahead in Israel’s shattering war in Gaza, site of The Washington Post newspaper, 18/11/2023,
https://www.washingtonpost.com/opinions/2023/11/18/israel-gaza-war-planning-hamas-direction; and Jon Alterman, What Comes After War in Gaza, site of TIME, 12/10/2023, https://time.com/6322825/war-in-gaza-israel-hamas-essay
[23] IDF evidence so far falls well short of al-Shifa hospital being Hamas HQ, The Guardian, 17/11/2023, https://www.theguardian.com/world/2023/nov/17/idf-evidence-so-far-falls-well-short-of-al-shifa-hospital-being-hamas-hq
[24] Most Democrats consider Israel ‘a burden’ on US with too much influence on policy, poll claims, site of The Times of Israel newspaper, 3/12/2016, https://www.timesofisrael.com/most-democrats-consider-israel-is-a-burden-on-the-united-states-poll-claims; and Paul Scharf, Suddenly: A Burden for Israel, site of Sharper Iron, 13/10/2023, https://sharperiron.org/article/suddenly-burden-for-israel
[25] Israel must stop weaponising the Holocaust, The Guardian, 24/10/2023, https://www.theguardian.com/commentisfree/2023/oct/24/israel-gaza-palestinians-holocaust; and John Benjamin, The Real Danger of Using Holocaust Analogies Right Now, TIME, 16/11/2023, https://time.com/6336249/oct-7-gaza-holocaust-essay