هل تفرض العدل الدولية إجرءاتٍ مستعجلةً ضد إسرائيل؟ خبير قانوني يجيب

لاهاي – المركز الفلسطيني للإعلام
تعقد محكمة العدل الدولية في لاهاي جلساتها الأولى -اليوم الخميس- للنظر في طلب جنوب أفريقيا محاكمة إسرائيل بتهمة ارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.

وستتناول جلسات الاستماع مطلب جنوب أفريقيا بفرض إجراءات طارئة، وإلزام إسرائيل بتعليق عملياتها العسكرية في غزة في حين ستنظر المحكمة في حيثيات القضية، وهي عملية قد تستغرق أعواما.

الخبير في القانون الدولي محمد الموسى قدم في تصريحاته لـ المركز الفلسطيني للإعلام قراءته للجلسات التي ستنعقد اليوم الخميس وغدًا الجمعة، حيث ستنظر المحكمة في جلسات استماع شفوية علنية لأطراف الطلب بالنسبة لاتخاذ التدابير التحفظية والمستعجلة تجاه ما يجري من جرائم إبادة جماعية في غزة.

وقال الموسى: إنّ الأصل حسب نظام المحكمة وقواعد الإجراء أن تعقد المحكمة بكامل هيئتها خمسة عشر قاضيًا، لكن في هذه القضية لأنّ جنوب إفريقيا لا يوجد ضمن المحكمة قاضٍ يحمل جنسيتها ولا الكيان الصهيوني كذلك، سمّى الكيان قاضيُا خاصًا يحضر هذه الدعوى فقط وعندما تنتهي الدعوى لا يعود له صفة القاضي في المحكمة، وكذلك بالنسبة لجنوب أفريقيا.

وأوضح بالقول: الآن يوجد قاضيان سمته جنوب إفريقيا وآخر سمّته دولة الكيان سيضافان إلى هيئة المحكمة الخمسة عشر، ستنعقد بسبعة عشر قاضيا.

واستدرك بالقول: لكن النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية يجيز أنّه حتى لو توفر 9 قضاة من الخمسة عشر الأصلاء، يجيز أن تنعقد الجلسة.

وأضاف الموسى: نحن اليوم أمام جلسة منعقدة على وجه الاستعجال، لطلب اتخاذ التدابير التحفظية يعطى الأولوية بنص النظام وقواعد الإجراء على أي قضية أخرى تنظرها المحكمة.

ونوه إلى أنّه وعلى فرض تم بعض التأخير في الإجراءات، سيكون تأخيرًا معقولاً، ليس أكثر من أسبوعين إلى ثلاثة وأقصى حد نهاية هذا الشهر كانون الثاني أو بداية الشهر القادم شباط، ستفصل المحكمة في القضية، وعندما تنتهي الجلسات الشفوية سترفع للمداولة، التي تأخذ في مثل هذه القضايا أسبوعين تقريبًا.

وأكد الموسى أنّ إسرائيل ستظهر أمام المحكمة، وظهورها رغم تغيبها في حالات سابقة، يعود لخشيتها من الإدانة بجرائم الإبادة الجماعية وشعورها بخطورة الدعوى عليها. ومن الناحية القانونية يسمى ظهورا أمام المحكمة، وليس مثولا، وستكون جميع هذه الجلسات علنية.

وقال الموسى إنّه لا بد من التفريق بين طلب التدابير المستعجلة التي طلبتها جنوب إفريقيا من محكمة العدل الدولية وبين الدعوى الموضوعية ذاتها التي تقدمت بها إليها.

وأشار إلى أنّ “التدابير المستعجلة التي طلبتها جنوب إفريقيا جاءت وفق المادة 9 من اتفاقية تحريم جريمة الإبادة الجماعية، والتي تهدف بالدرجة الأولى إلى حفظ الأدلة وحفظ الحقوق لحين البتّ بالقضية الموضوعية والتي تستغرق وقتا طويلا قد يصل لسنوات”.

وقال الموسى إنّ الأولوية تعطى لطلبات التدابير المستعجلة حسب لائحة قواعد محكمة العدل الدولية وممارستها العملية.

وأضاف أنّه فعليا خلال 10 أيام من تسلم المحكمة دعوى جنوب إفريقيا ضد الاحتلال الإسرائيلي كانت قد حددت يوم الخميس والجمعة أول جلسة شفوية للنظر بطلب التدابير المستعجلة.

ولفت إلى أنّه وعلى الرغم من عدم وجود نصوص واضحة بخصوص المدد الزمنية، فإن المحكمة بالعادة تحتاج شهرين إلى ثلاثة أشهر لإصدار أوامر لطلبات التدابير المستعجلة، ولكن بالنظر إلى دعاوى مشابهة سابقة مثل دعوى البوسنة والهرسك ضد صربيا، فإن المحكمة قد تستغرق من 3 أسابيع إلى شهر لإصدار أوامر مستعجلة وفق طلب التدابير المستعجلة التي قدمتها جنوب إفريقيا ضد الاحتلال الإسرائيلي.

وقال الدكتور محمد الموسى، إن طلبت جنوب إفريقيا تضمن عدة طلبات للتدابير المستعجلة من محكمة العدل الدولية، واستخدمت فيها ما تملكه من خبرات قانونية سابقة في صياغتها، وهذه التدابير هي: الكف عن جميع العمليات العسكرية ضد قطاع غزة، أو داخل القطاع.

ومن التدابير المطالبة بمنع وإزالة الاحتلال الإسرائيلي لجميع العوائق التي تدمر الحياة المعيشية في قطاع غزة، مثل الوصول للمياه والغذاء وتوفير الاحتياجات الصحية.

وأشار إلى أنّ أحد التدابير المطالبة بعدم قيام الاحتلال بإتلاف أي أدلة قد تخفي جرائم الإبادة الجماعية داخل قطاع غزة.

ومن ضمن هذه التدابير وفقا للموسى: البدء بإجراءات ملاحقة وتحقيق ومقاضاة للأشخاص الذي تورطوا بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية أو أمروا بها.

وبحسب الموسى، يلزم الاحتلال بتقديم تقرير لمحكمة العدل الدولية خلال أسبوع من قرارات المحكمة لتقديم ما قام باتخاذه من إجراءات بخصوص أوامر المحكمة.

ولفت الموسى إلى أنّ البعض قد يعتقد بأنه ليست هناك أي آلية رسمية لمتابعة الأوامر المستعجلة التي تصدرها المحكمة، ولكن في عام 2020 أصدرت محكمة العدل الدولية قرارا بإنشاء لجنة خاصة لمتابعة الدول بما تعلق بالأوامر المستعجلة التي تصدرها المحكمة، وتتكون من 3 قضاة من المحكمة.

وحول تصريحات بعض الدول مساندة دعوى جنوب أفريقيا، قال الموسى: لا أستطيع استيعاب هذا التصريح من الناحية القانونية، لأن الباب مفتوح لتقديم طلبات الانضمام لهذه الدعوى، ولكن ربما تقصد بعض تلك الدول أنها سوف تقدم ملاحظات ومذكرات ومرافعات لمحكمة العدل الدولية.

وأشاد الموسى بالخبرة التي تمتلكها جنوب إفريقيا بالتعامل مع محكمة العدل الدولية لا سيما أن لديها الخبرة القانونية الكبيرة والتجربة السابقة في ذلك له أبعاده على مدى استجابة المحكمة للطلب بصورة مستعجلة.

كما أوضح أنّ الدول العربية يمكن أن تساند جنوب إفريقيا عبر تقديم الأدلة والمذكرات القانونية التي تساند طلب جنوب إفريقيا، وأن لا تستجيب بعض الدول العربية لأي ضغوطات أمريكية لعرقلة هذه الدعوى.

ولفت الموسى إلى أنّ عملية ممارسة أي ضغوط على المحكمة من أيّ أطراف دولية “مسألة مستبعدة” بما يتعلق بمحكمة العدل الدولية، لأن قضاتها عندما يتم انتخابهم في المحكمة لا يعودون ممثلين عن دولهم ويعتبرون قضاة مستقلين يمثلون المحكمة فقط.

وأضاف “أن تشكيل هذه المحكمة يأخذ بعين الاعتبار تمثيل جميع النظم القانونية الأساسية، وجميع الثقافات والقارات والمدنيات بالعالم، وبالتالي لا يقتصر على طراز قانوني واحد فقط”.

وتابع بالقول: عند مراجعة الاجتهادات والقرارات السابقة لمحكمة العدل الدولية فهي المرجعية القضائية العالمية الأكثر ثقة، والأكثر قدرة على تطوير القانون الدولي، ونادرا ما كان التأثير السياسي له دور على قراراتها.

ولفت إلى أنّ بعض الأطراف تتخوف من أن رئيسة المحكمة الحالية أمريكية، وكانت تعمل سابقا مستشارة للقانون الدولي بوزارة الخارجية الأمريكية، لكنّ الحقيقة تأثيرها ضعيف جدا، لأن التصويت على القرارات يتم “نقطة – نقطة” وبالأغلبية، بمعنى نصف زائد واحد، ويبقى تأثيرها فقط بأنها تملك ترجيح قرار معين في حال تعادل الأصوات ويبقى هذا تأثيرها الوحيد.

وشدد الموسى على أنّ أي قرارات من محكمة العدل الدولية بخصوص التدابير المستعجلة ملزمة للدول، وتترتب عليها التزامات قانونية، ويمكن رفع قضية مستعجلة أخرى لدى المحكمة لتحميل الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية ذلك.

أي قرارات من محكمة العدل الدولية بخصوص طلبات التدابير المستعجلة لا ترتب أي التزامات قانونية على محكمة الجنايات الدولية، ولكن إقرار هذه القوانين يحرج محكمة الجنايات الدولية أمام أي طلبات لجرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.

وقال الموسى: إنّ اللوائح الداخلية لمحكمة العدل الدولية أتاحت للمحكمة قبول البنود أو رفضها، إلى جانب إضافة أي بنود ترى أنها مناسبة لتحقيق هدف الطلب وهو حفظ الأدلة وصون الحقوق.

ولفت إلى أنّ لوائح محكمة العدل الدولية أتاحت لأي قاض أن يصدر رأيا مخالفا لرأي المحكمة مبرزا أسباب ذلك، أو أن يصدر رأيا شخصيا يقدم فيه أدلة أخرى لم تقبل بها المحكمة، أو تفسير بعض التفاصيل.

وأكد أنّه يجوز لأي دولة مشتركة في اتفاقية الإبادة الجماعية تقديم طلب لمحكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير مستعجلة بخصوص الحرب على غزة، سواء أثناء النظر بدعوى جنوب إفريقيا أو بعدها، كما تتيح اللوائح الإجرائية لمحكمة العدل الدولية لجنوب إفريقيا تقديم دعوى أخرى في حال رفض هذه الدعوى، ولكن باستخدام أدلة وبينات وتدابير أخرى.

 

المحتوى ذو الصلة