[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
منذ اليوم الأول لمعركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، وما أعقبه من حرب إسرائيلية دموية على قطاع غزة، اندلعت شرارة التفاعل مع الأحداث في العديد من الدول العربية والإسلامية، بل والعالمية أيضًا، على المستوى الشعبي والنخبوي في صور شتى، كان أبرزها الخروج في تظاهرات شعبية، وتفعيل حملات المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية.
الحراك التفاعلي الشعبي بدا متفاوتًا حسب معايير مختلفة، كان أبرزها ما يتعلق بالقبضة الأمنية للأنظمة الحاكمة، ومدى اقتراب أو ابتعاد الشارع عن القضية الفلسطينية في الأساس.
فعلى المستوى العربي لم يكن هناك حراك ملحوظ في أغلب الدول التي تحكمها أنظمة (تُصنّف أمريكيًّا على أنها محور الاعتدال)، فكانت التظاهرات في بداية الأحداث محدودة جدًّا في مصر، ولم تتجاوز بضعة أيام حتى تلاشت تمامًا، بينما في دول الخليج، كان الحراك معدومًا في شتى صوره، فيما خرجت التظاهرات في كل من الأردن واليمن والعراق، لكنها -كغيرها- بدأت تضعف تدريجيًّا، مع استمرار الحرب للشهر العاشر على التوالي.
وعالميًّا كان التضامن مع غزة أكثر وهجًا وأشد تأثيرًا، لا سيما الحراك الطلابي في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية؛ حيث كان مشاركوه يتهمون الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين في قطاع غزة، وكذلك يتهمون الإدارة الأمريكية والأنظمة الأوروبية بدعم الكيان الصهيوني سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا، وكشفوا عن التعاون القائم بين الجامعات الغربية والكيان الصهيوني، وطالبوا بإلغائه حتى نجحوا في تحقيق الكثير من ذلك.
الكاتب والمحلل السياسي أحمد العطاونة، يرى أن رد فعل الشارع العربي جاء محدودًا ومترددًا ودون مستوى المعركة، رغم كثرة محاولات الاستنهاض من أطراف فلسطينية وعربية عديدة، على رأسها الناطق باسم المقاومة الفلسطينية أبو عبيدة، إلا أن هذه الدعوات بدت صرخة في “صحراء” لا تكاد تلمس لها أثرًا، مما يدعو إلى التفكير في سلوك الشعوب العربية والعوامل المؤثّرة فيه.
ويشير العطاونة إلى أن بعض استطلاعات الرأي، كالذي صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في يناير/كانون الثاني الماضي، تؤكد ما هو منطقي ومعلوم بالضرورة لدى العارفين بالشأن العربي؛ وهو أن الغالبية العظمى من الشعوب العربية تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني وحقوقه ونضاله المشروع، وترفض الاعتراف بكيان الاحتلال والتطبيع معه، وتعتبر القضية الفلسطينية قضيتها المركزية، وأن الاحتلال ومن خلفه الولايات المتحدة هما المهدد الرئيسي للأمن والاستقرار في المنطقة. لكن ذلك الإدراك والتأييد لم يترجما إلى فعل شعبي فاعل وقوي ومؤثر خلال الحرب، إذ بقي يتّسم بالضعف والفتور والتردد رغم ازدياد حجم المجازر.
أما الحراك الناعم في مواجهة الحرب على غزة، كان قد تمثل في المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الإسرائيلية وتلك التي تمتلكها شركات أمريكية أو أوروبية داعمة لكيان الاحتلال، وكان في مقدمتها شركات “كنتاكي”، و”بيبسي”، و”كوكاكولا”، وماكدونالدز”، و”ستارباكس”، وهو الجانب الذي أظهر قدرته على الاستمرارية أكثر من حراك الشارع، كونه لا يمكن مواجهته من قبل الأنظمة.
وحيث لم تجد حملات المقاطعة الشعبية للمنتجات الداعمة لإسرائيل، صدىً واسعًا في بعض الدول العربية كالسعودية والإمارات، برزت الدول الإسلامية كقاطرة لهذه الحملات، التي بدأ حصادها باكرًا في الربع الأول من العام الحالي؛ إذ تكبدت كثير من هذه الشركات خسائر فادحة وتأثرت أسهمها بشكل مباشر، فيما أثبتت هذه الدول -لا سيما ماليزيا وإندونيسيا- فاعليتها في هذا الجانب من جوانب مواجهة التحزب الغربي ضد الشعب الفلسطيني.
النتائج الإيجابية للمقاطعة بين جيدة ومبهرة، في مقابل هشاشة حراك التظاهرات في الشارع العربي لا يمكن تفسيره بنبذ القضية الفلسطينية أو نسيانها؛ حيث تُبت القضية حضورها في بعض جوانب التفاعل دون بعض، بالإضافة إلى اشتعال جذوة التضامن كلّما اندلعت شرارة أحداث جديدة، غير أن الأمر يعود -في الغالب- إلى ضعف النخب المجتمعية والسياسية التي يمكن تقود الشارع إلى حراك يناسب حجم الأحداث، وكذلك القبضة الأمنية التي تخشى من تحوّل الفعاليات التضامنية إلى لون من الاحتجاج على الأنظمة جّراء انعدام الحريات وتردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية.
“}]]