[[{“value”:”
الناصرة – المركز الفلسطيني للإعلام
وثقت منظمة “بتسيلم” الإسرائيلية المعنية بمراقبة حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، شهادات عشرات الأسرى الفلسطينيين الذين أفرج عنهم مؤخراً من سجون الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدة تعرضهم للتعذيب والاعتداء الجنسي والإهانة والتجويع.
وأصدرت المنظمة تقريراً تحت عنوان “أهلاً بكم في جهنم” تسلط فيه الضوء على معاناة 9900 أسير فلسطيني في سجون الاحتلال.
واستوحت المنظمة عنوان تقريرها من محادثة بين أحد الأسرى من مدينة نابلس وأحد السجانين، إذ أشار الأسير الفلسطيني في شهادة له إلى أنه مع وصوله إلى سجن مجدو، ونزوله من الحافلة، قال له أحد السجانين: “أهلًا بكم في جهنم”، وهو العنوان الذي قررت المنظمة استخدامه لوصف السجون الإسرائيلية وعمليات التعذيب التي تجرى فيها.
شبكة معسكرات للتنكيل بالبشر
وأظهرت الشهادات، بحسب التقرير، تحول أكثر من اثني عشر من مرافق الاعتقال الإسرائيلية، مدنيّة وعسكرية، إلى شبكة معسكرات هدفها الأساسي التنكيل بالبشر المحتجزين داخلها.
وقالت إن “كل من يدخل أبواب هذا الحيز محكوم بأشد الألم والمعاناة المتعمدين وبلا توقّف، حيز يشغل عملياً وظيفة معسكر تعذيب”.
ويقع التقرير في 90 صفحة وصدر بثلاث لغات (العربية، والإنجليزية، والعبرية)، ويتناول الأوضاع المأساوية التي يعيشها الأسرى منذ 7 أكتوبر/تشرين أول 2023.
وأشار التقرير إلى أن غالبية الساحقة من الشهادات التي وثقها لـ55 أسير لم تحاكم، وأن جميع من اعتقلوا بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 لم يبلغوا بالتهم الموجهة ضدهم ولم يمنحوا حق الدفاع عن أنفسهم.
وكشف التقرير الحقوقي أن سلطات الاحتلال استخدمت سجونها أداةً للقمع والتحكم بالسكان الفلسطينيين، مبرزاً تفاصيل قاسية حول ظروف الاحتجاز التي تتسم باللاإنسانية، والتي تتجاوز الخطوط الحمراء في التعامل مع الأسرى.
ويفيد التقرير بأن 60 أسيرًا استشهدوا داخل السجون منذ بداية حرب الإبادة على غزة، مؤكداً أن “بعض الحالات تثير الشكوك حول احتمالية ارتقاء هؤلاء الأسرى بسبب التعذيب والحرمان من العلاج”.
شهادات صادمة
ويقول أحد الأسرى في شهادته إن جيش الاحتلال اقتاده برفقة أسرى آخرين إلى غرفة بعثر فيها الكثير من الملابس والأحذية والخواتم وساعات اليد.
ويضيف: “عرونا تماماً، أجبرونا على خلع السروال الداخلي، وفتشوا أجسادنا بواسطة جهاز يدوّي لكشف المعادن. أجبرونا على فتح أرجلنا. بعد ذلك راحوا يضربوننا بالجهاز على أعضائنا الحساسة، ضربات سريعة ومن دون توّقّف. بعد ذلك، أمرونا بأن نؤدي تحية لعلم إسرائيل الذي كان معلقا على الحائط”.
وفي شهادة أخرى صادمة، يسرد أحد الأسرى أنه بعد 7 أكتوبر 2023، كانت إدارة السجن تعاقب الأسرى بشكل جماعي على نحو دائم.
ويقول: “كان الأمر الأول زيادة عدد المسجونين في كل زنزانة من ستة سجناء إلى 14 سجيناً. وهذا يعني انتهاك خصوصيتنا والانتظار مدة أطول بكثير من أجل استخدام المرحاض في الزنزانة”.
ويبين أن المعتقلين الجدد الذين جُلبوا إلى الزنزانة اضطروا للنوم على الأرض، “لأّنّه لم يكن فيها سوى ثلاثة أسرة ذات طابقين”.
وحدات كتار
ويتناول التقرير دور وحدات خاصة مثل “كتار” التي تفرض سيطرتها في السجون من خلال أساليب تعذيب وحشية، حيث يرتدي أفرادها زيًّا أسودًا دون أسماء ويخفون وجوههم، وهو ما يتعارض مع القوانين الدولية.
ويروي أحد الأسرى في شهادته لمنظمة “بتسيلم” كيف حشرت إدارة السجن 11 أسيراً في زنزانة لا تتسع إلى لأربعة أسرى، وحرموا جميعاً من المرافق الأساسية مثل بلاطة التسخين، السكر، القهوة، السجائر، المواد التنظيفية، الشامبو، المحارم الورقية، ومعجون الأسنان. وأوضح الأسير أن كل هذه الأشياء لم تكن متوفرة.
وتابع: “أغلقوا الكانتين ومنعونا من شراء أي احتياجات، وأيضًا أغلقت غرفة الغسيل وغرفة الطعام، فتعرّضنا لحرمان كامل، وبعد أسبوع، جلبوا لنا شامبو، ولكن نصف كأس صغيرة لكل زنزانة، مما اضطرنا لاستخدام نقطة واحدة من الشامبو لكل أسير”.
ويضيف: “كانت النوافذ بلا زجاج، مما جعل البرد قارسًا لدرجة أنني لم أشعر به من قبل. أصابعي تجمدت وشُقّت وتحولت إلى اللون الأزرق، لكن حالتها تحسنت بعد إطلاق سراحي”.
وفي شهادة أخرى، يروي أسير آخر تغييرًا في طريقة العد: “أجبرونا على الركوع مع انحناء الرأس، وأي شخص يرفع رأسه يتعرض للضرب، وكانوا يجبروننا على الوقوف وجوهنا نحو الحائط أثناء العد، وعند المغرب، كنا نقف وجوهنا نحو السجانين”.
سياسة ممنهجة
وخلُصت المنظمة إلى أن الشهادات المعروضة تظهر “واقع تحكمه سياسة هيكلية وممنهجة قوامها التنكيل والتعذيب المستمرين لكافة الأسرى الفلسطينيين، بما يشمل العنف المتكرر القاسي والتعسفي والاعتداء الجنسي والإهانة والتحقير والتجويع المتعمد وفرض ظروف نظافة صحية متردية والحرمان من النوم ومنع ممارسة العبادة وفرض عقوبات على ممارستها ومصادرة جميع الأغراض المشتركة والشخصية ومنع العلاج الطبي المناسب”.
ويؤكد تقرير المنظمة أن معاناة الأسرى الفلسطينيين ليست جديدة، بل تعود جذورها إلى ما هو أبعد من 7 أكتوبر 2023 أو تعيين اليميني المتطرف إيتمار بن غفير وزير للأمن القومي.
وتبين “بتسيلم” أن نظام سجون الاحتلال الإسرائيلي يشكل جزءاً من سياسة دولة الاحتلال التي تسعى للحفاظ على التفوق اليهودي من النهر إلى البحر، وهو من أكثر الآليات عنفاً وقمعاً.
وأضافت: “على مدى عقود، استخدمت إسرائيل السجون كوسيلة لقمع الفلسطينيين، مما أدى إلى تفتيت النسيج الاجتماعي والسياسي الفلسطيني”.
ومنذ عام 1967، سُجن نحو 800 ألف فلسطيني من الضفة الغربية وغزة، ما يعادل حوالي 20% من إجمالي السكان و40% من الرجال الفلسطينيين. هذه الأرقام تعكس حجم القمع والتعذيب الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني على مر السنين، وفق المنظمة.
تعديلات قانونية
ويشار إلى أن سلطات الاحتلال أجرت عدة “تعديلات قانونية” بشأن وضع الأسرى الفلسطينيين بعد 7 أكتوبر؛ ففيما يتعلق بمعتقلي غزة أجرى “الكنيست” تعديلاً في قانون المقاتلين غير الشرعيين لعام 2002، ويخضعون مباشرة للجيش وليس لإدارة السجون، إذ تمنع سلطات الاحتلال أي تواصل معهم عن طريق الصليب الأحمر أو المحامين، ولا تُصرّح بأسمائهم أو ظروف احتجازهم، وحين يتم إحضارهم أمام قاض يتم ذلك من دون محام وعن طريق الفيديو كونفرنس.
أمّا الأسرى من الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس والأراضي المحتلة عام 48، فتم تعديل قانون أنظمة إدارة السجون لحالة الطوارئ الاعتقالية (قانون مؤقت/ السيوف الحديدية)، حيث يتم اتباع سياسة الحد الأدنى مع من يسميهم الاحتلال “الأسرى الأمنيين” وذكل بتقليص شروط الحيز المعيشي، واتباع سياسة القفل التي تتضمن إغلاق غرف السجن والعزلة التامة وإغلاق السجون أمام الزائرين من الأهل أو مندوبي منظمة الصليب الأحمر أو المحامين.
“}]]