مواجهة التكتيك التفاوضي الاسرائيلي

[[{“value”:”

تدل المراجعة التاريخية للتفاوض العربي الاسرائيلي المعلن والسري (الذي انكشف لاحقا) أن العمود الفقري للتفاوض الاسرائيلي يقوم على فكرة “التجزئة” في ثلاثة جوانب هي الموضوع والزمن والأطراف على النحو التالي:

أولا: الموضوع:
عند مراجعتي لكل حالات التفاوض بين إسرائيل واي طرف عربي فإنها تقوم بتقسيم الموضوع الى أجزاء، ثم يتم تقسيم كل جزء إلى أجزاء فرعية ، ويجري التفاوض على كل جزئية فرعية ، وتعمل على تحقيق اكبر قدر من المكاسب في كل جزئية فرعية ، مما يؤدي الى ان مجموع حصيلة المكاسب الجزئية يفوق قيمة مكاسب التفاوض على “كل ” الموضوع.فالطرف الاسرائيلي في الموضوع الفلسطيني طبق ذلك تماما في كل مفاوضاته منذ اتفاقيات الهدنة عام 1949 الى الآن، ففي أوسلو مثلا قسمها الى موضوعات الأرض والسكان ، ثم قسم الأرض الى مناطق أ و ب و ج، ثم مناطق عسكرية ومناطق محميات طبيعية ، ثم القدس، وقسم القدس الى حدود بلدية وأماكن مقدسة، ثم قسم الأماكن المقدسة الى أماكن يهودية وإسلامية ومسيحية في كل الضفة الغربية…وفعل نفس الشيء في المياه والكهرباء …الخ.

والخطورة في تجزئة الموضوع هو ان التنازل في الجزئية الفرعية تبدو للمجتمع العربي امرا مقبولا، لكن تراكم المكاسب الجزئية يكشف عن صيد ثمين، والكل اكبر من مجموع اجزائه( Holism).
تقول احدى الدراسات الاكاديمية في تجارة الاعمال ان ” مجموع ” أرباح تجار التجزئة(القطاعي)(Retail) يفوق أرباح تاجر الجُملة(Wholesale) لنفس السلعة ونفس الكمية..

ثانيا: الزمن:
يتم تقسيم الزمن في التفاوض الاسرائيلي الى قسمين هما القضايا الآنية ،ثم الموضوعات المؤجلة(او ما يسمونها بقضايا الحل النهائي)، وتعمل إسرائيل على تأخير قضايا الحل النهائي الى أطول فترة ممكنة ، بينما تركز على الموضوعات الآنية التي لها أهميتها العاجلة لها وليس للطرف الآخر، ويكاد الامن هو الموضوع الآني الأهم بالنسبة لاسرائيل ، وهو ما يلاحظ في ان الاعتراف العربي بإسرائيل والتطبيع معها تم دون أن يتم تنفيذ بند واحد من بنود أوسلو رغم ان طول المرحلة الأولى لالتزام إسرائيل بباقي بنود أوسلو هو خمس سنوات، وها هو يمضي على الموضوعات المؤجلة ما يزيد عن 31 سنة.

ثالثا: الأطراف:
لا تميل اسرائيل للتفاوض مع “كتلة عربية” بل مع كل طرف لوحده، بل انها لا ترى ضيرا من التفاوض مع بُنى فرعية في الطرف الواحد، فهي لا تتورع عن التواصل حتى مع ممثلي بعض الاقليات في دول عربية مشرقية ومغربية، ومن المؤكد ان التفاوض الفردي مع كل دولة يجعل تأثير ميزان القوى أكثر من نتائج التفاوض مع كتلة، فقد تفاوضت مع دول التطبيع كل لوحده ودون ادنى مشاركة او حتى تنسيق مع طرف آخر، لأن التفاوض الأحادي يجعل نتائج ميزان القوى يعطي ثمارا افضل من التفاوض مع مجموعة.

وفي الظرف الحالي فان إسرائيل تريد.

1-تجزئة موضوع غزة الى الموضوعات التالية: سلطة بديلة لحماس، وجود قوة دولية او عربية او مشتركة، نزع سلاح غزة، موضوع ادخال المساعدات ، العلاقة بين استكمال التطبيع والحل في غزة، موضوع الغاء وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، المنطقة العازلة في شمال القطاع(خطة الجنرالات)،موضوع الرقابة على الحدود المصرية الإسرائيلية ،موضوع الرهائن…وهي تسعى لان تضع الموضوعات الهامة لها اولا وهي موضوع الرهائن وتدمير المقاومة وفصل مسار غزة عن المسار اللبناني او اليمني او حتى العراقي- فالأمن هو اولويتها الأولى- ثم ستبحث بقية الموضوعات طبقا لجدولها.

2- تقسيم الزمن: ويتضح ذلك في أنها لا توافق الا على وقف اطلاق النار لفترات قصيرة( مثل الاقتراح المصري الأخير بيومين) وفي كل مرحلة قصيرة تحقق نتائج لتعود للحرب مرة أخرى ليتم وقف جديد ومكاسب جديدة وهكذا..الخ ، ثم سيتم تأجيل ادخال المساعدات الى نهاية المرحلة الزمنية ليفعل الحصار فعله في الضغط على المقاومة، واستثمار اية تطورات لاحقة لصالح إسرائيل او لتحديد خططها طبقا لتلك التغيرات المستقبلية مثل الانتخابات الامريكية وغيرها.

3- تقسيم الأطراف: تدرك إسرائيل الحساسية الكامنة بين مصر وقطر، لذا كانت متحمسة لوجود طرفين عربيين في فريق التفاوض ولكن الطرفين يُضمران لبعضهما هواجس نائمة يمكن ايقاظها في اللحظة المناسبة ، وتحاول استثمار علاقات كل دولة من طرفي التفاوض(المصري والقطري) للتواصل مع أطراف أخرى، ثم تحاول توظيف اطراف التطبيع ليؤدي كل منهم دوره في التفاوض المباشر(طاولة المفاوضات) او التفاوض غير المباشر من خلال تقديم التسهيلات من قبل اطراف التطبيع التي تساعد إسرائيل على خنق المقاومة ،فيتحقق الهدف بهذا التفاوض غير المباشر، فهي تجزء العرب الى فريق التفاوض وفريق التطبيع وفريق الخصوم وفريق لا في العير ولا في النفير، وتدير العلاقة مع كل على انفراد.

الخلاصة:
اظن ان من الضروري ان تتجنب المقاومة في اية مفاوضات كل ما سبق وتصر على ترابط وتزامن ثلاثة موضوعات هي : وقف اطلاق نار دائم وانسحاب كامل من غزة وفتح معابر المساعدات وبشكل متزامن ، واعتبار ذلك قاعدة للبحث في موضوع الرهائن وليس العكس.

من جانب آخر، أرى أن الاختبار الأكثر أهمية لمحور المقاومة ومدى التزامه هو في الأسابيع القادمة وبخاصة بعد الانتخابات الامريكية، وضرورة تأكيد الربط الذي لا تنفصم عراه بين جبهات المحور ، فإسرائيل ستعمل على العودة لتكتيك التجزئة بالقول بوقف اطلاق النار في لبنان ثم نبحث في موضوع غزة، وستعمل على طرح موضوعات قد تكون موضع خلاف بين المقاومة في غزة وسلطة التنسيق الأمني في رام الله ، او بين فصائل المقاومة ذاتها او مع بعض العرب او فريق التفاوض…الخ ، فالتجزئة هي الفكرة المهمينة في عقل المفاوض الاسرائيلي…بينما لا بد أن تكون استراتيجية المفاوض الفلسطيني هي: وحدة وتزامن وترابط الموضوع لمحور المقاومة، دون أن يمنع ذلك بعض تكتيكات التمويه التفاوضي شريطة الحفاظ على استراتيجية التفاوض وهي الوحدة والترابط والتزامن.

“}]] 

المحتوى ذو الصلة