[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
زكريا شاب فلسطيني لم ينه عقده الرابع من العمر بعد، حينما داهمت الحرب البرية الصهيوني قطاع غزة في ديسمبر 2023، حيث وصلت الدبابات إلى مكان سكناه قرب بركة الشيخ رضوان، شمال مدينة غزة لتبدأ معها حكاية لم يتخيل يوماً أنه فد يكون بطل قصة من هذا النوع المأساوي القاسي.
زكريا الذي كان واحداً من ضحايا الإجرام الصهيوني خلال حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة، حيث استخدمه الاحتلال كدرع بشري، يروي تفاصيل حكايته الصادمة لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” مغلقا عينية وكأنه يشاهد ما جرى معه، وكأنه يحدث الآن.
يروي زكريا، أنه عند وصول الآليات العسكرية الثقيلة والدبابات الصهيونية إلى شارع النفق، اقتربت حتى أصبحت لا تبعد عن البيت سوى 300 متر، ما دفع غالبية عائلته وإخوانه للمغادرة، فيما بقي مع والدته المسنّة، لأنه لم يجد طريقة آمنة لإخراجها من المنزل لعدم قدرتها على المشي والحركة وبسبب القصف العشوائي والكثيف للمنطقة، لكنه تحت ضغط العائلة، خرج بعد فترة من الزمن وهو يدفع والته على كرسيها المتحرك.
“كانت القذائف تنهال من كل جانب، ووصلت بصعوبة إلى منطقة الصناعة، ومكثت في منزل صغير لأحد أصدقائي شهرا و4 أيام، وبعدها دخل الجيش إلى منطقة الصناعة مجددًا، وحاصرونا في المنزل سبعة أيام، لم نستطع خلالها الخروج بسبب كثافة القصف”، يقول زكريا
ويروي وقد بدا وكأنه لا يريد تذكر ما حصل، “كان ذلك اليوم هو يوم الجمعة، أعددنا طعامنا وتناولناه بعد الظهر، ثم سمعنا أصواتًا بالعبرية في المنزل المجاور، فاعتقدت أن الجيران قد عادوا، لكننا فوجئنا بأنهم جنود إسرائيليون بعد فترة وجيزة، اقتحموا منزلنا بعد تفجير الباب”.
درع بشري
عدل زكريا من جلسته وهو يتذكر التفاصيل، وتغيرت ملامح وجهه وقال:” شعرنا بالخوف الشديد عندما دخل علينا ما يقارب 60 جنديًا، فصلوا الرجال عن النساء، وأجبروني على خلع ملابسي، وحطموا المنزل وأخذوا والدتي والنساء والأطفال ولم أعرف حينها إلى أين، واقتادونا تحت إطلاق كثيف للنيران” وبين زكريا أنه خلال رحلتهم هذه شاهدوا عشرات الجثث الملقاة على الأرض، حتى وصلوا إلى منزل آخر في المنطقة، ليبقوا 7 أيام معصوبي الأعين مقيدي الأيدي والأرجل دون طعام أو شراب أو نوم، وتعذيب شديد.
في اليوم الثامن بدأت الحكاية الصعبة والجريمة التي ما تخيل زكريا أنه قد يتعرض لها، حيث طلب منه ضابط صهيوني بالعمل معهم يومين مقابل الحصول على حريته وتركه يغادر المنطقة، واقتادوه إلى دوار الصناعة، حيث شاهد هناك عددًا كبيرًا من الجنود والدبابات وبدأت رحلة استخدامه درعاً بشريا في مخالفة لكل القوانين الإنسانية والمواثيق الدولية.
يقول:” أمرني الضابط بحمل أنابيب بلاستيكية ونقلها من مكان إلى مكان آخر كان عبارة عن فوهة نفق يتبع للمقاومة الفلسطينية، وطلب مني الضابط في مرة من المرات أن أدخل نفقًا وأمشي فيه، وعندما أخبرته أنني خائف، أجبرني على الدخول والنظر بداخله عدة مرات، وحين رفضت في مرة من المرات اقتربت جندية وأطلقت النار بالقرب مني، شعرت حينها وكأنني ميت”.
ويضيف:” بعد عدة أيام على هذا الحال، وبعد إصراري على رفض استخدامي كدرع بشري، ضربني أحد الضباط الصهاينة بمطرقة على رأسي ففقدت وعيي، وحين استعدت وعيي، وجدت نفسي في مبنى مقصوف ومغطى بالأنقاض”.
بقي زكريا على هذا الحال رغم معاناته من مرض الغضروف، مقيدا دون طعام أو شراب أو نوم عدة أيام ليجبره بعدها الاحتلال على النزوح نحو دير البلح وسط قطاع غزة، بعدما أوهموه بتواجد عائلته التي أفرج عنها هناك، ليكتشف بعد وصوله بأيام أنهم لا زالوا في مدينة غزة
وعن مشاهداته خلال رحلة النزوح قال زكريا إن الطريق كان مليئًا بالدبابات والجنود، مبيناً أنه رأى عربة عليها ست جثث متفحمة.
حكايات متطابقة
زكريا الذي وثق “المركز الفلسطيني للإعلام” حكايته، ليس سوى واحدا من آلاف الحالات الفلسطينية التي تعرضت لهذا النوع من الانتهاكات، واستخدامهم كدروع بشرية.
فقد كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، عن شهادات جديدة عن استخدام جيش الاحتلال مدنيين فلسطينيين كدروع بشرية في خضم حرب الإبادة الجماعية المستمرة على قطاع غزة.
وأبرزت الصحيفة إجبار جيش الاحتلال مدنيين فلسطينيين على أداء مهام خطيرة في غزة في انتهاك صارخ للقانون الدولي وكافة المواثيق ذات الصلة بقواعد الحروب.
وبينت أن الشهادات التي حصلت عليها الصحيفة، تتسم بالتفصيل، وهي مدعومة بشهادات شهود آخرين ومتسقة مع شهادة جندي إسرائيلي قاتل في غزة، ومقابلات جمعتها منظمة “كسر الصمت”، التي تعمل مع الجنود الذين خدموا في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أدلة بصرية
وقدمت منظمة “كسر الصمت” أيضاً ما قالت إنه أدلة بصرية على ممارسات جيش الاحتلال تُظهر جنوداً يقفون بجانب سجينين تقول المجموعة إنهما كانا يُستخدمان كدروع بشرية.
ويظهر الرجال يجلسون على حافة نافذة مدمرة في مبنى محطم، وأيديهم مكبلة وعيونهم معصوبة ورؤوسهم منحنية.
وفي حديث مع قناة “سي إن إن” الأمريكية، اعترف جندي صهيوني بأنه تم استخدام الفلسطينيين دروعا بشرية من أجل دخول الأماكن والأنفاق التي يُحتمل أن تكون مفخخة في غزة، ولتجنب تعريض عناصر الجيش للخطر.
وشرح الجندي ما يُعرف باسم “بروتوكول البعوض” في الجيش الصهيوني، وقال إن استخدام الفلسطينيين كدروع ضد الأفخاخ المتفجرة المخبأة في المباني والأنفاق ممارسة شائعة بين القوات الصهيونية في غزة.
وأضاف قائلاً: “نطلب منهم دخول المبنى قبلنا، إذا كان هناك فخ، فسوف يتفجر بهم، وليس بنا”.
وذكر الجندي الإسرائيلي أنه أثناء أداء مهمته في غزة، أحضر ضابط أمني كبير اثنين من الفلسطينيين المحتجزين، عمرهما 16 و20 عاما، وطلب من الجنود استخدامهما كدروع بشرية قبل دخول المباني.
وأضاف الجندي أن الضابط قال لهم: “لا تفكروا في القانون الدولي، من الأفضل أن ينفجر الفلسطينيون وليس جنودنا”.
وتلزم اتفاقية جنيف لعام 1949، السلطة القائمة بالاحتلال على ضرورة نقل المعتقلين إلى مناطق آمنة من مخاطر الحرب، غير أن هذه الشهادات وغيرها التي جمعتها عشرات المؤسسات الحقوقية تؤكد أن الاحتلال اعتقل مئات الفلسطينيين في مناطق القتال المختلفة خلال العدوان على غزة؛ بغرض استخدامهم دروعا بشرية وجعل مواقع تجمع قواته وآلياته في مأمن من العمليات العسكرية.
والسؤال الذي يطرحه الضحايا برسم الاستهجان في وجه العالم الظالم، إلى متى ستبقى دولة الكيان المارقة فوق القانون؟، ومتى يحين موعد محاسبة جنودهم وقادتهم جزاء ما اقترفوه من جرائم مروعة تقشعر لها الأبدان؟
“}]]